موقع بيتا للتبادل الثقافي Peta for Cultural Exchange
follow us
  • Home
    • who we are
  • Icons
  • عربي
    • نشاطاتنا
    • نوافذ
  • Poems in English
    • Audio translations
    • Abdulamir Jerras
    • Abdulkareem Kasid
    • Adil Abdullah
    • Ahmad Abdussada
    • Ahmad Adam
    • Ali Mahmoud Khudheir
    • Akil Ali
    • Amal Ibrahim
    • Daliah Riyadh
    • Gulala Nouri
    • Jean Dammu
    • Kadhum Alhajjaj
    • Maythem Alharbi
    • Qasim Saudii
    • Raad Abdulqader
    • Samarqand Aljabiri
    • other languages >
      • Poems in French
      • Poems in German
  • Talking Poetry
  • Exchange
  • Tributaries
  • Video Archive
  • Poetry Spots
  • Iraqi gallery
  • Our Library
  • Dialogue
  • Clients

مشروعنا الثقافي

أنشئ موقع بيتا الالكتروني ومركز بيتا للخدمات الثقافية بهدف التبادل الثقافي والافادة من الثقافات الاجنبية لتغذية التجربة العراقية الحديثة بشكل ايجابي وتعريف الثقافات الاخرى بطبيعة الانسان العراقي وذخيرته الحضارية والادبية التي تعكس تجاربه الحياتية الثرة، ولذا تنصبّ جهود الموقع والمركز لتحقيق هذا الانفتاح عن طريق الخدمات المنوعة والنشاطات المشتركة.
 

Picture

نوافذ

أهلا بكم في الصفحة العربية لموقع بيتا (افتح لي باللغة السومرية) والتي من خلالها نطل على ثقافات العالم وخاصة تلك التي تعنى بالشعر الحديث. في هذه الصفحة تجدون تراجم كتّابنا العراقيين لعيون الطروحات والمقالات والنصوص في هذا المجال وها نحن نتقدم بالشكر الجزيل لهذا الجهد الترجمي المميز الذي انتقى بعناية الداري العارف ما نقدمه بكل حبواعتزاز لقارئنا الكريم. 
Picture
Picture

هل غادر الشعراء من متردّم؟

ملف موسع عن مآلات الشعر العربي
ميثم الحربي
​بداية
في العدد المزدوج لمجلة (الفيصل) الصادر توّا، أدار الشاعر والصحفي الثقافي مشكورا (حسن جوان) ممثلا عن العراق ملفا موسعا وثريا حول راهن الشعر الآن في ضوء برق السؤال الخالد لعنترة العبسي (هل غادر الشعراء من متردم؟). في هذا العدد كان لي رأيٌ سأدرجه
في نهايةِ تعليقي على ماجاء من إجابات.

​بدايةٌ ثانية

غطّى الملف مجمل الخارطة العربية. شارك فيه شعراء بمقالات منفردة مثل:
سعدي يوسف. عبد القادر الجنابي. أحمد عبد المعطي حجازي. محمد علي شمس الدين. منصف الوهايبي. رشيد يحياوي. فوزية أبو خالد. سماء عيسى. سامر اسماعيل. صبحي موسى. فتحي أبو النصر. جعفر العقيلي. جعفر حسن. محمد جميل أحمد. رنا نجار. هدى الدغفق. الشيخ ولْد سيدي عبد الله. عباس بيضون.
وهناك شعراء جاؤوا برأيهم عاكسين ما يتحرّك في.
 بلدانهم من جدل نقدي ومنجز شعري، من المغرب، والسودان، ومصر، وعُمان، والسعودية، واليمن، وموريتانيا، والجزائر، ولبنان، وسوريا، وحزمة دول الخليج. ومن العراق كانت هناك آراء من لدن الشعراء محمد مظلوم، وهاشم شفيق، وفاضل العزاوي، ورشا القاسم، وأنا، داخل الملف الخاص بالعراق.
مُناقدة
أولا: 
كتب محرّرو ملف الفيصل مقدمة عامة. ثم بدأ ممثلو كل بلد يقدمون على حدة للإجابات. رأى أهل الفيصل في مقدمتهم العامة ما يأتي:
(لقد كان الشعر العربي رائدَ أهله، يكثف في قصائده الأحلام العربية الكبرى).
وبالطبع إنّ هذه الطاقة اليقينية هي بالضبط ما تجرّأ على تقويضها سؤال عنترة الشهير. وكيقين مُضاد كان حاجز اللون وراء تحول هام في القصيدة العربية وهو الانتقال من (ضمير الجمع) إلى (ضمير المفرد) على يد عنترة الذي غاضَبَ قبيلته وهو العبد، الأسود، ابن الأمَة.. والمُستبعد من فضاء الجماعة بشراسة. كتب الجاحظ عنه: شُهرة عنترة عُرفت في قاع العامة، أي ليس في القصور الأيديولوجية للقبيلة. وقد أنكرت قبيلته التي كانت قوية ومهابة في إحدى المرات أن يحول عنترة هزيمتها إلى نصر وهو ابن أراذل لونا ونسبا؛ فقد ساء ذلك سيدهم (قيس بن زهير)، وقال حين رجع عنترة مُظفّرا: والله ما حمى الناس إلا ابن السوداء، وحين بلغ ذلك عنترة عرّض به في مقولات منها:
وأنا الأسودُ والعبدُ الذي
يقصدُ الخيل إذا النقعُ ارتفع
نسبتي سيفي ورمحي وهما 
يؤنساني كلّما اشتدّ الفزع
أذكرُ لوحة اغتراب شعرية شعبية يرسمها الشاعر العراقي الكبير كاظم اسماعيل الكَاطع يقول فيها:
تمساح بنهرهم صاحَو من الخوف 
وجازفتْ بحياتي من سمعْت صياح
صارعت المِنيّه وهزني بيدَه الموت 
وِمْدمّه اطْلعت صفّكَو للتمــــــــساح
ثانيا:
في تضاعيف ما قاله الشعراء والنقاد، من المبدعين والمبدعات في هذا العدد، أنّهم تمثلوا بأسماء شعراء من قبيل (بيير رفيردي) و (رينيه شار) و (جان كوكتو) و (بول هازار)، ونقديين أجانب..إلخ. وهؤلاء الناس وقفوا جلّ رؤاهم الشعرية والنقدية على اعتبار الشعر (ديوانا فرديا) وليس ديوان العرب، أو ألمانيا، أو فرنسا 
يقول بول فاليري: (عندما تعلو الرّياح، نحنُ يجب أن نحاول العيش). 
ورياحُنا العربية معروفة فهي تتقلب بعنف بين مسميات السلطة والدكتاتورية والبوليسية والارتكاس وكل ما يُنتجه الجهلان المُقدّس والمؤسّس ويبذرانه في الأغوار العميقة لمجتمعاتنا.
ثالثا:
سؤال عنترة قادمٌ من المستقبل وليس من الماضي. ولا سيّما إذا عرفنا أنّ الأمَةَ السوداء التي نحنُ ابناء لها تحمل اسما صريحا في جنسية الشعر هو (الاغتراب) ونُدلّعها في بيوتنا وأزقتنا العربية المحترقة تحبّبا بـ (العزلة). والاغتراب الذي تبادل معه عنترة العيش هو عن طقس القبيلة وعن شعرها الذي هو مدار واسع لعقل الشعر ما قبل الإسلام. لقد اغترب عن الاثنين وتآلف مع الصحراء (الطبيعة). أما في راهننا فهناك اغترابات متعددة:
اغتراب عن اللغة، عن الدولة، عن المجتمع، عن الطبيعة واستحال الأمر إلى السير في (مصحّات اجتماعية مفتوحة) حسب تعبير أدونيس.
إنّ مأزق هوية عنترة تمثل في عقدة مختلطة (لونية ونَسبية)، ودمجهما في روحه أدّى إلى إنتاج انفعال بلاغي وليس (عاطفة شعرية) أظهرت لنا صورته البلاغية الباشطة كأنها تختزن سيفا لغويا يواجه به الرّياح وهي تعلو!
أمّا نوع مأزق الهوية في عالمنا العربي الرّاهن فيكفينا أنْ نتصفّح كتاب (الهويات القاتلة) لأمين معلوف؛ فهو يضيف إلى ماعاناه عنترة من عُقد على مقاس حياته قائمة طويلة من الأنياب المرعبة ونحنُ نعيش في بحبوحة ردّة حضارية يستمتعُ الجميعُ فيها بالجلوس على خوازيق رائعة!


 هذا نص الرأي الذي شاركتُ فيه بالملف الموسع لمجلة الفيصل:
طالما فهمنا أن مفهوم (الرّاهن الشعري) يرتبط بالحياة الثقافية، والسياسية، والاجتماعية، والاقتصادية وأطوارها المتحركة وهي تحيط أفق الفنان بشكل عام، والشعر والشاعر بشكل خاص. كما تختزن مفردة الراهن شحنة الزمن وتبذر لنا في كل مرة مرحلة المحك، ومرحلة الصعب، وحضور الصراع. وعلى هذا الأساس يتغذى راهن الشعرَيْن العراقي والعربي من بنياته الاجتماعية الحافلة بحكايا المندثر والجديد، والمغايرة، والمشاكسة، والاتهام، ومواجهة سدنة الثوابت. ونكاد نجزم أنّ هواجس التحديث وقيمها نابعة من هذا المأزق أو المآزق. 
ولقد هبّت رياح عديدة وملونة على الفنون ومنها فن الشعر. وكانت الإفادة من ذلك تتمحور حول فكرة التخصيب بين الحاجات المحلية لمجتمعاتنا وبين الرّجّات المَوْجيّة للتثاقف عبر الترجمات من اللغات المختلفة فيما يتعلق بالتأويل الجمالي للعالم.
ومابين طيّات كل راهن نجد هناك انبثاقات لمراحل وسطى أو انتقالية تتوخى إنتاج قراءة جديدة للحاضر، كما تقوم بصناعة مُقارَءة مع تاريخ التحولات الجمالية عبر الشعر لكي تصل إلى فهم مستقبلي يوافق تطلعات الهُنا والآن. وهكذا يبدأ جيلٌ ما بالتضامن على إنجاح مسعاهم الجديد في تحدي كل أنواع السلفيات المميتة وشحنات الغلو القابعة في الأيديولوجيات، والاتجاهات التي تحاول تنميط الأذهان على إيقاع واحد، وفقير.
أما عن ثنائية الشعر والقراء، فلا نجد إشكالية تجاه القارئ الخاص أو المختص وغالبا ما يُغطي فهمنا لعوامل انحسار القراءة كتلة الجمهور العام. وهذا يمكن أن يحل عبر إنشاء برامج فعالة للترويج. لكننا نصطدم هنا بعقبة دور النشر التي تضع الأرباح في المقدمة وتتحرك وفق هذا المعادلة.
وبلا شك هناك تأثير واضح لعوالم التواصل الاجتماعي. فالتثاقف عبر السوشيال ميديا أبرزه غثه وسمينه على السطح لكن تبقى التجارب الأصيلة مُفحمة لكل جدا

Picture

جمال جصاني

سهراب سبهري، شاعر الألوان والعرفان

 
سهراب سبهري الشاعر الرسام، الذي يرى الحلم أخضر ويرسم الحب أزرق، السالك في طريق لانهاية لمحطاته. حيث الأخضر الممتد من الأرض
إلى السماء، ومن الجبال إلى البحر، ذلك مارسمه في مجموعته ( العمق الأخضر ) التي اخترنا منها إحدى أهم قصائده:
كان سبهري يقيم أمسياته الشعرية في الوقت نفسه الذي يعرض فيه لوحاته التشكيلية. إن انصهار الموهبتين في روحه ( الشعر والرسم ) منحته القدرة على
الغور عميقا في أفق الألوان اللانهائي، متجاوزا الأشكال المتعارف عليها، خاصة وهو المهتم والمطلع على ثقافات وأديان الأمم الأخرى وبالذات البوذية
والزرادشتية منها، التي انعكست ظلالها في العديد من إبداعاته.
مايميز سبهري أنه كان بعيدا عن الهموم السياسية والصراعات الاجتماعية، التي كانت محتدمة في العصر الذي عاش فيه...ذلك ما آثار ضده غير القليل من
الملاحظات والانتقادات، غير أنه لم يعبأ بذلك ، فقد كانت له رؤيته الخاصة وغالبا ماكان يغور في عوالمه البعيدة عن الصخب والضجيج. وعن ذلك يقول:
إن جئتم في طلبي
تعالوا بهدوء ورقة
كي لاتتصدع آنية وحدتي
الخزفية الرقيقة
وبالرغم من أنه كان كثير السفر والسياحة في العديد من بلدان العالم ، إلا أنه واصل خطواته المتفردة حتى لحظاته الأخيرة، ولم يصغ لأحكام الآخرين
المنتقدة لـ ( انطوائيته ) ربما لانه كان مدركا أن يوما ما سيأتي تصبح فيه أشعاره معروفة من قبل أجيال أوسع تعليما وأكثر استقرارا.وهذا ما أشارت
إليه فروغ فرخزاد عندما قالت عن شعر سبهري بأنه ( المفضل فهو العالم الساحر... ) .
لقد كان حساسا ومرهفا مع المفردة، كما هو دائما مع اللون والتنوع اللانهائي للكلمات والأشياء، لقد كان حريصا على شحن المفردات بكل مافي الصدق
من جمال وبهاء. يقول في إحدى قصائده:
علينا غسل عيوننا
كي ننظر بشكل آخر
علينا غسل المفردات
كي تكون المفردة عصفا
كي تكون مطرا
ولد سهراب سبهري عام 1928 في مدينة كاشان، توفي عام 1980 في إحدى مستشفيات طهران ودفن في قريته بكاشان. أول مجاميعه الشعرية كانت تحت
عنوان (موت اللون) عام 1951 ، قصائده الأولى كانت تسير على خطى (نيمايوشيج)، غير أنها كانت تنضح باليأس والاضطراب وطغيان العتمة والصمت
والسكون كان هو اللون السائد. مجموعته الثانية (حياة الأحلام) كانت أقل اضطرابا، واتخذت منحا مستقلا عن (نيمايوشيج) وكشفت عن بصمة سبهري
رغم ظلال (البومة العمياء) أثر صادق هدايت المشهور والتي كانت تظلل زوايا من تلك القصائد.
بقية مجاميعه كانت تحت عنوان:
( شظايا الشمس،شرق الحزن، صوت أقدام الماء، المسافر، العمق الأخضر، نحن لاشيء، نحن نظرة )
قصيدة (عنوان) تعد من أشهر ماكتبه وهي نموذج للشعر المحض والتساؤلات الخالدة، فالحركة هي كل شيء والسؤال هو الحياة، الطريق هو الغاية. هكذا
أطلق سبهري العنان لفرشاته، وهذه دعوة لاقتفاء خطى ذلك الفارس وعلامات الطريق التي تجدد له السؤال، حيث يتلاشى الهدف النهائي، لتتواصل الخطى.....
( عنوان )
أين منزل الصديق....؟
كان ذلك، سؤال الفارس
الذي أربك الصمت ذات فجر
السماء تريثت
وعابر بين شفتيه غصن شعاع
تغلغل لغبار العتمة
مشيرا بإصبعه صوب شجرة حور شامخة
قال:
هناك، قبل الشجرة تلك
حقل تسوره أغصان وزهور
يفضي لزقاق
أكثر اخضرارا من الرؤية الإلهية
ستجد الحب هناك
كأجنحة الصدق أزرق
تواصل سيرك خلف منعطف الحكمة
صوب زهرة العزلة
وقبل خطوتين منها
عند نافورة أساطير الأرض الخالدة تمهل
سيعتريك شيء من الخوف الرهيف
 
من أعماق الأجواء الرقراقة تلك
ستسمع خشخشة وستلمح طفلا
يرتقي شجرة صنوبر باسقة
ليلتقط فرخا من عش النور
عند ذاك تتلو ضالتك إليه
أين منزل الصديق.....؟ 

Picture

جمال جصاني

قيصر أمين بور
(فصل من كتاب ( الشعر والطفولة

 
إن كنت قد أصغيت الى أحاديث أطفال دون سن السابعة من العمر، فستعرف حتماً أنهم يتمتعون بلغة خاصة بهم، ويمكن أن تكون الكثير من المفردات المستخدمة لديهم مألوفة لدى الكبار، لكن مضامين أغلب تلك الكلمات لها في آذانهم معنى آخر.
فالطفل لا يوجه كلامه للبشر فقط، بل يتوجه به الى ألعابه، الى الأشجار، والى نفسه أيضاً، وحديثه متواصل دون إنقطاع يتخلله قفزٌ من موضوع الى آخر.
للباحث الفرنسي ( بياجيه ) دراسة حول لغة الطفل قام خلالها بمتابعة طفلين دون سن السادسة ولمدة شهر كان يراقب ويسجل الملاحظات حول كل ما يقولونه دون أن يشعرهم بوجوده وبعد تحليل نتائج تلك التجربة توصل الى ان كلام الأطفال ينقسم الى نوعين أساسيين:
  • كلام موجه الى نفسه ( شخصي )
  • كلام موجه الى الآخرين ( إجتماعي )
 
ولو إفترضنا أن غاية الكلام هو التواصل مع بقية البشر غير أن هذا الأمر لا يصح دائماً مع الأطفال. يتعلم الطفل الكلام بين سن الثانية والرابعة في تلك المرحلة الأولية أغلب الكلام هو من نوع ( الموجه الى النفس) فهو لا ينتبه إن كان أحداً يعير كلامه إنتباهاً أم لا .
فعملية الكلام بالنسبة له تعبّر عن تجربة تلقائية حسية – حركية ممتعة . يعيد فيها ويكرر الأصوات والكلمات، وعلى الأغلب يكون كلامهم من جانب واحد و طويل و يتناول مواضيع شتى. ولا يستهدف أحداً بذاته.
وقد سمّى ( بياجيه ) هذا النوع من الكلام على غرار ما هو مشهور في المسرح من إصطلاح أي ( المونولوج ) [1]. الكلام من طرف واحد. ما يسمى: بالتفكير بصوت عالٍ [2]عند الكبار وهو يشبه كثيراً ماذكرناه عند الصغار، الكلام من طرف واحد.
الكلام من طرف واحد وبشكل جماعي، هو أكثر الأشكال إجتماعية للكلام الموجه للنفس، يشمل الكلام من طرف واحد للأطفال في وقت واحد ، ويشير الى ان عدد من الأطفال يتكلمون مع بعضهم البعض دون أن يعير أحدهم إنتباهاً لكلام الآخر، أو أن يمنحه جواباً.
يقول بياجيه:
الطفل تحت سن السابعة نادراً ما يحتاج الى علاقة واضحة مع الآخرين وبعدها تصبح لغته أكثر إجتماعية، ويسعى لأن يتواصل مع الآخرين من خلالها، يرجو، يأمر، يهدد، يُخبر، يسأل. ويمكن القول أن الشخص الكبير حتى وهو لوحده يفكر بطريقة إجتماعية، لكن الطفل دون سن السابعة حتى وهو وسط الآخرين يفكر بطريقة الكلام الموجه الى النفس .
غير أن الطفل في الكلام الاجتماعي يتبادل الأفكار مع الآخرين ويقول لسامعه شيئاً مثيراً أو يجلب إنتباهه. كذلك ينتقد، ولا يتوقع من الذي وجه له الانتقاد أي رد فعل ، وغالباً ما يكون نقده عاطفياً لايستند الى أي دليل أو منطق ما.
إن أوامر ومطالب وتهديدات الأطفال في هذه المرحلة تعكس التأثير المتبادل بين المتكلم والمستمع.
من الخصائص الأخرى للكلام الاجتماعي، إن طرح الاسئلة والأجوبة والتي تبدأ من السن الثانية أو الثالثة وفي السنة الرابعة والخامسة تأخذ شكل أسئلة لا نهاية لها. والعديد من الأطفال يطرحون أسئلة كثيرة غير موجّهة لأحد ولا تنتظر جواباً من أحد.
وأحياناً هم أنفسهم يقدّمون الإجابات عن أسئلتهم تلك، وإجابات وتوضيحات الأطفال لا تعني أحداً غيرهم. رغم أنهم لا زالوا لا يعرفون الكثير من الأشياء ، لكنهم يطلقون لخيالهم العنان في نسج التوضيحات. ويميلون لاستخدام كلمات مثل ( هو ) أو ( ذلك )، دون أن يقولوا إلى أي شىء يشيرون. ويكمن خلف ميل الأطفال هذا ( نظرة ذاتية ) ضامرة، ويميلون إلى تجاوز جوانب مهمة في تطرقهم لقصة ما، أو إستعراض حوادثها بشكل غير صحيح.
وأحياناً يجمعون بين واقعتين لا علاقة مشتركة بينهما. وبعد أن يتجاوز الطفل حالة  (النظرة الذاتية )، يبدأ من خلال _ الألعاب اللغوية _ [3]بالأصوات والأنغام وكذلك الألعاب التي ترافقها الأغنيات التي تساعده في إنعطافة لابد منها في الكلام، وبعد فترة من التمرين على القافية و ( الجناس ) وإطلاق مواضيع جذابة وممتعة، يتمكن الطفل من توسيع ترسانة لغته.
وتدعى المرحلة التي يبدأ فيها الطفل الاستعانة باللغة الاجتماعية، ( التفكير الشهودي ) وهو من سن الرابعة حتى سن السابعة من العمر.
 
ويقسم بياجيه الكلام في هذه المرحلة الى ستة أنواع:
  1. متناغمة مع أعمال الآخرين .
  2. التعاون في العمل.
  3. التعصب.
  4. الانطباعات الأولية.
  5. التعاون في التفكير التجريدي.
  6. الانطباعات الفعلية.[4]
 للوهلة الأولى يبدو أن لا تشابه بين الشعر الذي يمثل أعلى وأعقد تجلي لتطور اللغة ولغة الطفل، والتي هي أكثر المراحل بدائية لتشكل اللغة، ولكن عندما نتفق على أن ( الشعر هو إنعطافة أو إنبعاث داخل اللغة ) [5].
فاننا سنرى ان مثل هذه الوقائع لا يندر حدوثها في لغة الطفل. وما نسعى إليه من خلال إعطاء أمثلة معينة هو تسليط الضوء على أوجه التشابه بين الشعر ولغة الطفولة.
وكما ذكرنا فرغم إستعانة الأطفال بنفس الكلمات من اللغة المشتركة إلا أنهم يقصدون منها معاني ومضامين مغايرة ، وهذا ما يتصرف به الشاعر مع اللغة:
                سأصهر الحرف والصوت والقول معاً
                لأهمس لك دون الحاجة لهم
                وعندما يخفق شراع الكلام ، تلوح الشواطىء
                وعندما سأقول لا ..، سيكون ذلك ملاذ إلا ...
مولوي
 
الطفل لا يوجه كلامه إلى البشر فقط، بل لكل الأشياء بما فيها نفسه. وإن دققنا في الأمر سنرى أن أغلب الأشعار هي من نوع – طرف واحد – أي لا تخاطب أحداً بعينه وأغلب رسائل وشكاوى الشاعر موجه الى نفسه والآخرين، منها على سبيل المثال :
مخاطبة الشاعر لنفسه وهو الأكثر شيوعاً في القصائد الفارسية، فمثلاً نقرأ في قصائد حافظ الشيرازي:
                حافظ، ضع كلمتك على سطح هذا العالم
                هذا الأثر المتبقي عن قلمك ذكرى العمر
 
                آه ... يا أنا ! يا أخي المخفي
 
يدالله رؤيائي
 
كذلك الاسئلة والأجوبة المتواصلة للطفل والتي هي من خصائص الكلام الاجتماعي، تذكر بصنعة السؤال والجواب في الشعر. أسئلة الشاعر التي لا جواب لها، والتي لا يعلم إلى من يوجه الشاعر أسئلته، ومن أي شخص ينتظر الجواب. وأحياناً تبدو تلك الأجوبة والايضاحات غير منطقية، وعادة ما تأتي بشكل إنطباعات شخصية:
قلت : مهموم فيك، قال: همك لينتهي !
قلت إذن : كن قمري، قال: وإذا ظهر
حافظ
 
أول ما إلتقاه ، قال : من أين أنت ؟
أجاب : من بلد المحبة أنا
قال : وهناك ما يمتهنون ؟
أجاب : يشترون الهم و يمنحون الروح ....
نظامي
 
لا أدري
لماذا يقولون؛ الحصان حيوان نجيب
                        والطير جميل
ولماذا لا يوجد في قفص أحد نسراً
سهراب سبهري
 
في قصيدة سبهري ( المسافر ) إذا أمعنا النظر في العلاقة الشكلية للأسئلة والأجوبة المطروحة ، فلا شيء أفضل من العودة الى بنية الكلام الطفولي ليفصح لنا عن تلك الغرابة الشكلية والانقطاع الظاهر الذي ينضح عن تلك الأشعار:
-أين إحتفال الخطوط ؟
- أنظر إلى التموج ، الى إنتشار جسدي !
- ومن أي مكان أصل الى السطح الكبير ؟
- وأملأ إمتدادي إلى المساحة الرطبة من الكأس بسطوح العطش
- متى ستصبح الحياة دقيقة كتحطم صحن زجاجي ؟
 
هنا لا نعرف من الذي يسأل ومن الذي يجيب. فبالاضافة إلى الغموض الذي يكتنف كل جملة على حدة، هناك غموض و إنقطاع في إرتباط تلك الكلمات مع بعضها البعض ، تماماً مثل كلام الأطفال الجماعي من طرف واحد وفي وقت واحد دون أن يصغوا إلى ما يقولون بعضهم لبعض أو أن يقوموا بالرد متقافزين من فكرة إلى أخرى دون أي علاقة منطقية .
وأحياناً وسط إحدى الجمل يطلقون موضوعاً ما. لكن في شعر سهراب سبهري وبشكل عام في كل قصيدة متكاملة يجب أن يكون عدم الترابط المشهود صلة عضوية راسخة.
هناك سؤال ملح يطرح نفسه، لو إفترضنا أن الشعراء مثل الأطفال، يتسم كلامهم بعدم الترابط وأحياناً بلا معنى، ماذا يحل بمفهوم ( الشكل والمضمون ) في الشعر من حيث هو أثر فني متناغم ومنسجم ؟
وهنا لا نقصد من كلامنا القول بأن الشاعر يساوي الطفل أو بالعكس. فلا غبار من أن الشاعر كشخصية تحمل معها تجارب وخبرة أوسع بكثير من الطفل ، ولا يستطيع ان يتخلى عن كل قدراته وإستعداداته تلك ليتحول مرة واحدة الى طفل.
كذلك الطفل لا يقدر دون إمكانات ومواهب وتجارب أن يتحول فجأة الى شاعر متمكن .
ومن أجل توضيح هذا الأمر، علينا أن نقول أن العودة الى الطفولة في الشعر تتجلى بصور مختلفة. وأحياناً يكون بناء اللفظ وبناء المعنى طفولياً .
أيضاً مثل مقاطع من قصيدة " حوريات " لشاملو :
أيتها الحوريات : أتشعرن بالجوع ؟
أيتها الحوريات : أتشعرن بالعطش ؟
ألا تحسبن حساب الذئب يأتي ويأكلكن ؟
ألا تحسبن حساب الغول يأتي ويلتهمكن مرة واحدة ؟
شاملو
 
 
نجد هنا أيضاً أن الفكرة والنظرة ذاتية واللغة والاسلوب طفولي. فهنا الأطفال يتصورون الحوريات مثلهم كائنات تجوع وتعطش وتخاف الغول ... الخ. وليس خافياً على أحد من أن خلف ذلك البناء الطفولي، يقف عقل مجرب لشخص كبير السن هو الشاعر مبدع ذلك النص.
وعلى كل حال فأن ما يهمنا هو الشعر باعتباره بناء مستقل ومنفصل عن شخص مبدعه. وشاملو نفسه في ملاحظات دونها في كتابه ( الهواء الجديد ) حول مقطع من هذه القصيدة وهو (الحوريات المخططة) تؤيد وجهة النظر هذه حيث كتب :
( لقد إنجذب ابني الصغير بشدة الى الحوريات وخاصة الى الموسيقى المهيمنة على القصيدة... فكان يرسم على ألعابه عدة خطوط متخيلاً أنها قد أصبحت " حوريات مخططة " تلك العبارة التي إستخدمها قد أعجبتني لذا إستعرتها منه ووضعتها مكان العبارة السابقة التي كنت قد وضعتها قبلاً [6]، وأحياناً تختفي بنية المعنى الطفولية خلف البنية اللفظية للكبار وبالعكس.
على سبيل المثال تلك الجمل البسيطة والطفولية ( للحوريات المخططة) نقارنها بواحدة من تلك الصور التجريدية والمعقدة لقصيدة (نشيد الى ذلك الرجل المضىء الذي ذهب الى الظل ).
                رجل مختصر
                        كان خلاصة
                                        نفسه
إن إستطعنا من دمج هذين المفهومين لعمل اللغة في مفهوم أوسع ، يجعلنا نتمكن من القول ان هذين التصويرين ورغم الفارق الكبير بينهما من الناحية الزمانية والنوعية فجذورهما تعود الى منهل مشترك. لكن عملية التنقيب والوصول الى ذلك المنهل ، سيواجه بمقاومة شكل الجملة الثانية في الوقت الذي يشكل ذلك الحقيقة بذاتها، كما أشار إليها شاملو نفسه حيث قال :
( عبارة " رجل مختصر " كان خلاصة نفسه ، قد إمتشق هيئة جديدة بعد 18 عاماً من الصور البسيطة في قصيدته : الحوريات المخططة ) . وأحياناً يبدو الشكل الظاهري للشعر طفولي ، ولكن ما يقف وراءه من فكر ورؤيا ناضجة تجذب إنتباه القارىء ، وتبعد الشعر عن روح الطفولة ، فيصبح كالشكل الآتي من القصيدة ذاتها :
        حاقدون هم الأسرى
        يمتشقون مناجلهم
        قد دحرنا الظلم
        جعلنا الحرية قبلة لنا
        ومنذ أن نهض الشعب
        صارت الحياة لنا. 
أحمد شاملو
 
من المتفق عليه بأن أي قصيدة – أدركنا ذلك أم لم ندرك – تحمل بين جوانحها الفكر والأحساس والتجربة والشاعر حتى لو عاد الى طفولته فأنه ليس بمقدوره تجاوز تلك التجربة والعمر الذي قطعه، لذا فأن الشعر ولو جاء طفولياً من ناحية اللفظ والمعنى، لكنه يتطلب القدرات المهنية واللغة والموسيقى والفكر ... الخ لأجل أن يأخذ شكله المناسب وكل تلك المستلزمات هي من ثمار النضج والخبرة وهي أمور لا تصل اليها يد الطفولة.
ونحن نعرف " ان إستنتاج ناقص، أو يتناول مفهوم السبب والنتيجة بشكل مقلوب ويفكر بشكل غير مترابط " [7]، غير أن الشاعر يدرك العلاقة السببية للأشياء بحس ووعي نافذ ، حتى وإن كان هذا التدخل الواعي عفوياً ! وفي هذا الجانب ينبغي القول عندما نشير الى أن البناء اللفظي أو المعنى الظاهر غير مترابط فأن ذلك لا يعني إنعدام الانسجام ، بل سيعني أنه لن يكون أثراً فنياً كاملاً ولن يصل بنا الى غايته المرجوة ، لكن إذا ظهر عليهالنقص وهو في ذروة كماله ، فذلك هو المطلوب أي يشوبه الارتباك وعدم الترابط في الظاهر وهو في قمة التناغم.
وكما قال بيدل الدهلوي :
        لا يملك الوصل شيئاً عن الانفصال
        الى ان نكتشف ذاتنا ،مشاعرنا غريبة
 
يعني ( مئة صحراء من الجنون في ذلك الجانب من حكمتي ) و
( طريقة هندامي بعيدة عن الحالة المألوفة )
وفي نفس الوقت ( بكل جماح الجنون في قفص إدراكي )
في وعي الكبار هذا يكمن معنى ضامر للشعر في أعماق المكنونات الظاهرة والمستترة، ويمكن القول: في مكان أعمق من العمق.
أما بالنسبة لموضوعنا الأساسي، والذي كان حول طريقة تفكير الطفل، كما أسلفنا فأن كلام الطفل هو من نمط الكلام الموجه الى النفس والطفل لا يعير إهتماماً لنظرة المخاطب له، وأحياناً لا يمتلك القدرة على إدراك العلاقة السببية للأشياء .
وقد سأل بياجيه الأطفال عن معنى كلمة ( لأن ) في هذه الجملة: (غداً لن أذهب الى المدرسة لأني مريض). فأجاب أغلب الأطفال بأن ذلك يعني: (مريض)، كذلك الطفل غير قادر على وضع نهاية صحيحة للجملة كما في المثال التالي:
( سقط الرجل عن دراجته الهوائية لأن ...) أجاب أغلب الأطفال و بعيداً عن السبب : ( لأن يده كسرت ! ) [8].
فالطفل لا يمتلك القدرة على إدراك العلاقة السببية، بل يستطيع فقط ترتيب الحوادث دون إدراك علاقاتها الداخلية ويقوم بترتيبها بشكل عشوائي، وهذه العشوائية يمكن مشاهدتها في مجالات أخرى مثل الرسم. فعندما يرسم الطفل دراجة هوائية، يرسم العديد من أجزائها دون أن يأخذ مسألة التناسق بين الأجزاء بنظر الاعتبار .[9]
تقول بنت بياجيه: لأن تفكيري كان سيئاً تجاه أخي، فقد مرض، أو: إن أزحنا الأشجار، ستتوقف الريح . [10]
 
        إذ يعدو الجواد ، وخصلات شعره تمشط الريح
   سيمين بهبهاني
 
لقد ناديتني سهواً
وصار الوقت شتاء
 
عندما قلنا إسمك للمرآة عصراً
حل النوروز
 
لو كانت الجياد بيضاء
لوصلت العربة الى الصباح
ولتعرفنا على أصواتنا من بعيد
وكان الهم لهذا اليوم كافٍ
 أحمد رضا أحمدي
 
عندما مات أبي، كانت السماء زرقاء
وقطعت أمي نومها دون أن تدري ، أختي أصبحت جميلة
عندما مات أبي، كان الحراس جميعاً شعراء
 
سألني البقال :كم من البطيخ تريد ؟
وأنا سألته : كم سعر الغرام من الفرح ؟
 
أنا جئت الى الأرض ، وصرت عبداً
 
وأنت ذهبت الى الأعلى وصرت الهاً
 سبهري
 
 
" يقع الطفل عند سماعه الكلمات ، تحت تأثير تداعيات حرة في التفكير ، يحاول أن يقابلها بأشياء بعد أن يفصلها عن بعضها البعض ، وهذا ما يسميه الكبار بعدم الترابط وإنعدام الأساس " .
والخيال الشاعري ينحصر عمله في هذا الأمر بالذات . وبالذات أولئك الشعراء الذين يرجعون في تجربتهم الى تلك التداعيات الحرة ( لفظاً أو معنى ... أو ). كذلك حال البعض من أتباع أدب الرواية الحديثة. وكما ذكرنا فأن المشهد يكتنز الكثير مما هو مستتر وفي غير القليل من الحالات يصعب كشف تلك الشبكة الدقيقة من العلاقات الداخلية، ولا يمكننا أن نعثر عليها حتى في نطاق أشكال العلاقات المجازية أو أوجه التشابه وحتى أسباب التداعي في علم النفس ( المجاورة، التشابه، التضاد ).
وهنا يتطلب الاشارة الى أن هذا الاسلوب في تناول الشعر لا يستهدف ولا يراد منه أن يبرر لبعض الشعراء ما نضح عنهم من أقوال غير مترابطة، ولا شأن لنا بكمية الشعر ونوعيته بل أن هذا البحث يحاول أن يبدو بشكل نقص للوهلة الأولى، وعلى سبيل المثال فأن بإمكان الكثير من أشعار فروغ فرخ زاد وسهراب سبهري وآخرين من مساعدتنا في الاطاحة بذلك القناع.
رفاق شيخوخته يتهامسون
في حدائق لندن بعبارة جديدة
أفضل رفاق طفولتي كانت بنت الجيران
وقد ماتت في السابعة من عمرها
كان اسمها ( تاجي ) وهو اسم شائع كما ( تيتا ) في بوخارست
 
كنت أبحث عن حذاء أزرق
الاسكافي جاءني ببني وباعني أخضر
في النوروز يجب إمتلاك حذاء جديد
في النوروز هطل ثلج غريب
طاهرة صفار زادة
 
 
ذات يوم جاءت الشمس الى بيتنا
منحت بنت عمي الشمس أغنية
منحت أمي الشمس حليباً
كبرت الشمس
أحمد رضا أحمدي
 
 
وكما سبق أن ذكرنا فأن الطفل بفعل النظرة الذاتية التي تطبعه بطابعها يستخدم كلمات مثل (هو) و (ذاك ) دون تشخيص ما يشير إليه، ويتجاوز فصولاً من القصة ولا يراعي ( تسلسل الأحداث )
لذلك فأن بعضاً من الغموض الشاعري هو تلك النظرة الذاتية الطفولية. ولكن الشاعر مندغم بالأحداث ، لذلك نراه يبدأ الشعر والسرد دون مقدمات. وأحياناً في قسم ما من القصيدة يشير الى أمر ما بلا تمهيد ودون أي إرتباط بالأقسام الأخرى:
        من أين أتيت أنا ؟
        قلت لأمي : ( ها قد إنتهى )
        قلت : ( دائماً ، تأتي الواقعة قبل أن تتوقعها، عليك إرسال تعزية الى الصحيفة )
        سلام أيتها العزلة الغريبة !
فروغ فرخ زاد
 
        أو أشعاراً تبدأ هكذا :
                وتنهمر الأسواط
                ومرة أخرى لم تأتي بمأثرة
شفيعي كدكني
 
        لكنك لا تدري أية أمسيات سهرتها حتى الصباح
إخوان ثالث
        هذه أنا إمرأة وحيدة
فروغ
 
       
ولأنني في السماء نسجت
                رسالة رحلتي
                من خيوط الشمس
رؤيائي
 
من المظاهر الأخرى للغة الطفولة، إستخدام الأفعال القياسية، كون الطفل يتعلم من خلال التقليد عبر بعض القواعد المحدودة التي يتلقفها من هنا وهناك ليستخدم أفعالاً قياسية أخرى، مثلاً الطفل بين سن الرابعة والخامسة بدل أن يقول (مشى مشيت ) يقول (نام نميت)  وغير ذلك من الأخطاء الأخرى التي يقع فيها الطفل عند إستخدامه اللغة وهذا يعيد للأذهان تلك الانحرافات عن القواعد والأساليب اللغوية في الشعر:
                أنا في صوت تفتحه
                كنت أموت لحظة بعد أخرى
سبهري
 
                أنت تنبثق جميلاً
 
                نحن لا زلنا نسعى
                مساءاً ونهاراً والأناً
                والأناً
شاملو
 
               
إستغرقت بالموت
                حتى لا يتمكن أي شىء من
                إثبات موتي
فروغ فرخ زاد
 
                من هاجس العبور فيالـى العزلة
                أمر فـي من خلال قلبك
                وسأعثرمـع السفر في سواد عينيك جميل
يد الله رؤيائي
 
                الليل المتخم بمزاميرك العظمية
                على الشفاه للموت
محمد حقوقي
 
                لا شىء غير بياض الجواد بكيتُ
احمد رضا احمدي
 
 
وكما هو معروف فان العديد من اللغويين يميزون بين نوع الإشكالات والانحرافات، بين تلك التي ترشح عن إنعدام المهارة والقدرة وتلك التي هي نتاج تجربة فنية ومهارة عالية وعلى هذا الأساس وضعوا معايير خاصة للفصل بينهما، وهذا الأمر ليس من إختصاص بحثنا الحالي.
كما أسلفنا فبعد أن يتجاوز الطفل مرحلة الكلام الأولي ينتقل الى مرحلة الولوج في الألعاب اللغوية، حيث يتعرف على القافية والجناس... وفي الشعر يتجلى هذا التلاعب اللغوي بأنواع مختلفة من الصناعة اللفظية كالقافية والجناس والموسيقى الداخلية، تكرار الصوامت والأصوات الخاصة والموسيقى المحضة مثل تكرار الأصوات والمهملات ... الخ. مثل تلك التي يرددها الأطفال.
يستخدم الطفل مقطع صوتي عوضاً عن الأسماء الفعلية للحيوانات والأشياء، فيقول كلمات ألفاظها تشبه أصوات الحيوانات أو الأشياء بديلاً عن أسماءها الفعلية:
إسم الأصوات هي كلمات شفافة تتراءى معانيها من خلف ستار الكلمات، والشعراء يستخدمون ذلك لأجل ترسيخ الأثر العاطفي لأشعارهم مثل:
        من قلب جيش أردشير تأتي
        صلصلة السيوف وزخات السهام
الفردوسي
 
من الخصائص الأخرى للغة الأطفال هي إعتقادهم بـ ( مادية الكلمات ) وإن ( اسم أي شىء هو جزء من ذلك الشىء ) ، فإسم الأشياء بالنسبة لهم هو حقيقة واقعة.
مثلاً : طفل إسمه حسن في الصف الأول الابتدائي يتعرف على طالب آخر في الصف يدعى حسن أيضاً . حسن الثاني يتصف بالهدوء والخجل . في اليوم التالي يصبح حسن الأول خجولاً . فالاسم حقيقة واقعة وعلى هذا الأساس فان تشابه الاسم سيجعلهم مثل بعض .[11]
في تجارب الطفل الأولية لتعلم اللغة، تكون الكلمة والشىء متلازمتان ويشكلان نتيجة واحدة في نظره ، لذلك فان الكلمة هي جزء من الشيء ، والشيء جزء من الكلمة ، فالطفل يحتاج الى وقت طويل لكي يتمكن بشكل كامل من تفكيك الكلمة عن مدلولها .[12]
        يا الهي الذي لا مثيل له
        الجسم كالاسم ، فأجعله مشعاً
 سنائي
 
 
        شمس تبريزي أنت الشمس وسط غيوم الكلام
        ولأن شمسك سطعت تبخرت الأقوال
 
        لأننا كتبنا إسمه على التراب
        كل ذرة من التراب صارت حوراً وحوراء
مولوي
 
        كالفجر إسمك يخترق جبين السماء
شاملو
 
        الكلمة يجب أن تكون الريح
        على الكلمة أن تكون هي المطر
 
        وهل تذكر الجواد ....
        كان أبيضاً
        شفافاً كالكلمة
        يمضغ صمت المروج الخضراء
 
        داخل كلمة الصباح
        سيصير الصباح
 
        صارت أحذيتي رطبة من لفظ الندى
سبهري
 
        في ذات اللحظة التي تمكن فيها الأطفال
        من كتابة كلمة ( حجر ) على السبورة
        هجرت الطيور بسرعة الشجرة الهرمة
فروغ
 
        يقول الطائر : يجب كتابة الشجرة بالأخضر
        حتى أتمنى الطيران
 
        كتبتُ مطر ، أمطرت
أحمدي
        كتبوا إسمك على التراب
        نزف التراب
ضياء موحد
       
        جميع الموتى إسمهم يحيى.

محمد علي سبانلو
 
وكما ذكرنا فان الكلمة بالنسبة للطفل جزء لا يتجزأ من الشىء الذي تدل عليه ، وكلنا نعرف تلك الحكاية القديمة عن ذلك القروي البسيط الذي قال:
ليس عجيباً بالنسبة لي أن يتمكن العلماء وعبر كل تلك الأجهزة التي بحوزتهم من قياس حجم الكواكب وحركتها ، لكن ما يحيرني ويشغل بالي هو:
كيف تسنى لهم معرفة أسمائها.
الاختبارات البسيطة تثبت، ان الأطفال في مرحلة ما قبل الدراسة الابتدائية، يعرفون الأشياء من خلال صفاتها. فهم يسمون الحيوان ثوراً بسبب من إمتلاكه لقرون.
والعجل يسمى كذلك لأن قرونه صغيرة، أما الكلب فيسمى كلباً لكونه صغير ولا يملك قروناً [13]
هناك نقطة أخرى ( ان الطفل لا يستخدم الكلمات بنفس المعنى والمفهوم الذي يستعمله الكبار مثلاً جاكلين الطفلة البالغة من العمر سنتين وسبعة أشهر عندما ترى – لوسين – في لباس جديد مع طاقية ، تسأل عن إسم هذه الفتاة ؟
وعندما تعود – لوسين – الى إرتداء لباسها المعتاد , تقول جاكلين بجدية : ها قد عادت لوسين ثانية ! فالطفل في هذه السن لا يقدر على التمييز في ان الفرد أو الشىء يبقى هو ذاته رغم حدوث بعض التغييرات المحدودة عليه [14].
في قسم من إختباراته برهن بياجيه على ان الطفل لا يتعرف على ذات الأشياء عندما تكون في هيئات مختلفة ، وغالباً ما يعتمد منظوره الخاص للأشياء.
الا تؤدي مثل هذه التعابير عن الشعراء نفس ذلك الدور ؟
        مدينة غزنين ليس كما رأيتها العام الماضي
        ما الذي حدث لتتغير هكذا هذا العام ؟
        أهي الكتائب ذاتها التي رأيتها بالأمس ؟
        وهذه ذات المدينة والأرض التي رأيتها ؟
فرخي سيستاني
 
للوهلة الأولى يمكن أن يتساءل البعض عن علاقة هذه الأشعار بلحنها وبيانها الفخم المميز بلغة الأطفال الصغار؟
وإن عثرنا على شىء هنا ، فلاشىء غير مبالغة الشاعر في عمله ولكن وكما قلنا مراراً فلسنا بصدد ظاهر الأشعار، حتى لو إتفقنا ان لا شىء في هذه الأشعار غير المبالغة التي تجعل الشاعر لا يتعرف أو يتجاهل ذلك الشىء الذي طرأ عليه تغيير ما ولكن في عمق تلك المبالغة نتحسن نكهة الطفولة ولعبها رغم ظاهر الشكل الذي لا يوحي بذلك.
 
 



[1]monologue
[2]Thinking aloud
[3]linguisticplays
[4]تم الاستعانة بكتاب : كيف يفكر الطفل.
[5]محمد رضا شفيعي كدكني : موسيقى الشعر ( بالفارسية ) – الطبعة الثانية – طهران 1989 . ص3.
[6]أحمد شاملو ، الهواء الجديد ـ الطبعة الخامسة ( طهران : 1976 ) ص356 .
[7]هربرت جينز برغ وسيلوياأدبر ( التطور العقلي للطفل من وجهة نظر بياجيه ) ترجمة فريدون حقيقي وفريدة شريفي ، طهران 1992 ، ص 175.
[8]ل . س . ويكوتسكي ، علم نفس الخيال والبيان ، ترجمة أحمد صبوري / طهران : دار نشر توين 1982 / ص126.
[9]هربرت جينزبرغ وسيلوما أوبر، عقلانية الطفل من وجهة نظر بياجيه ، ص176.
[10]حسن أحمد ، شكوه السادات بني جمالي ، تطور علم النفس ( طهران ، نشر بنياد 1987 ص 95 ).
[11]حسن احمدي وشكوه السادات بني جمالي ( علم نفس التطور ) ص 94.
[12]هربرت جيز برغ وسيلويا اوبر_ التطور العقلي للطفل من وجهة نظر بياجيه ص 147.
[13]ل . س . ويكوتسكي ، علم نفس الخيال والبيان ص 176.
[14]هربرت جينز برغ وسيلويا اوبرا ، التطور العقلي للطفل من وجهة نظر بياجيه ، ص 138.



 
Picture

آمال ابراهيم

قراءة الفراغ في الشعر المرئي

​
 
كيم ناولز/آنا شافنير/أوريخ ويكر/أندرو مايكل روبرتز

تحرير وترجمة عن كتاب (تقنيات الكتابة) الجزء الرابع (2012)، اختيرت المادة من محتوى الصفحات (75-82)
 رقم الإيداع الدولي: ISSN 1754-9035

 
   غالبا ما تشير الفراغات في النتاجات المكتوبة كالفصول والأجزاء والفقرات والوحدات الكتابية الأخرى الى هيكلة النظام الخاص بنصوص المادة المعالجة.  وغالبا ما تمثل كتلا لدلالات المعنى في الوحدة المنفصلة. إن المسافات الموجودة في الصفحات تمثل حدود الكلمات والترويسات الرئيسة والثانوية والهوامش والفقرات والمقاطع المتتالية، وإن مهمة هذه المسافات تكمن في التنظيم البصري لعملية الاستيعاب والإدراك لأنها تتولى توجيه العين والعقل أثناء القراءة.
    أما في النصوص الخطية والتي من ضمنها (الشعر) فإن المسافات والفراغات بين أجزاء النص وكلماته ومقاطعه الشعرية ترتقي بمهمة أكثر تعقيدا، فهنا تخلق تتابعا نغميا ووحدات أدق لبناء المعنى. وكما بين اندرو أم روبيرتز وزملاؤه فإن البياض المدرج ضمن النص النثري يوازي في أهميته التشكيل أو الضبط. وعلى أية حال فإنه في الشعر المعتمد على التوزيع البصري كما يتجلى في القصيدة الكونكريتية أو الكتلية، فإن فاعلية الفراغ تتعدى ما ذكر إعلاه ليستثمر النص بشكل أكبر من خلال اجتياحه المساحات الفاصلة بين المقاطع والجمل والكلمات ليصل التقطيع الفراغي إلى الحرف نفسه.
   يذكر (روسيل ويست-بافلوف) في مفتتح مؤلفه (نظرية الفراغ) إن الانتباه الى التوزيع الفراغي في النص الأدبي لم يظهر إلاّ مع انتشار تقنيات التواصل الحديثة. فعلى حد تعبيره إن الكاتب انتبه الى المسافات والفراغات بين أجزاء النص في عصر الكمبيوتر والمعالجة اللغوية الألكترونية. وهنا يؤخذ على بافلوف أنه لم يهمل القارئ فقط وإنما أهمل التساؤل القديم حول أهمية الفراغ في النص الذي بدأ ينتشر منذ 1897، على يد الشاعر الرمزي الفرنسي (استيفان ميلارميه) عندما نشر في الصحيفة الفرنسية (كوزموبوليس) قصيدة مؤثرة استثمر فيها مساحات بيضاء توجه القارئ إلى فحوى النص بقوة وعنه يقول (ميلارميه): "تكمن أهمية الفراغات في أنها تمثل الصدمة المباشرة للنص". هنا سجل الشاعر الفرنسي ريادة في استثمار البياض ليثبت أنه لا يقل تأثيرا في القارئ من الأحرف المطبوعة السود ولا تفوّق للأخيرة على الأولى.
   إن ثورة (ميلارميه) على الاستثمار المعتاد لسطح الورقة فتح آفاقا جديدة في التعبير الشعري. فقد غيرت الأشكال التي تنتظم فيها الكلمات وتتجمع الى قيمة شعرية في حد ذاتها. والأبعد من ذلك، ذهب إلى استغلال الأشكال الطباعية في التاثير التعبيري للكلمة من خلال أدائها المظهري بمعنى آخر، إن طبيعة الخط ونوعه واختياره رقيقا أو غليظا أومعتدلا أو مائلا يجرّ إلى لحظة الكتابة والتعبير إمكانات مضافة للتأثير في القارئ. فقد أصبحت الإمكانات الطباعية أدوات إضافية للتعبير. وهنا فإن على القارئ أن يلي هذه التنوعات اهتماما يوازي اهتمامه بالمادة المكتوبة فهنالك رسالة توجهها الكلمات وأخرى موازية توجهها الأشكال الشعرية والتوزيع الفراغي في النص.
 في الشعر المرئي تتحول المساحة البيضاء الى ما يصفه (نيلسون جودمان) إلى حقل من الإشارات    " المكثفة"  وكما بينه في دراسته الموسومة ( لغات الفن): إنه منهج في نظرية الترميز، حيث يحيط بالمميزات المختلفة للأنظمة الدلالية للصور والألفاظ. توسع القيم الفراغية من ذخيرة التعبير الشعري من خلال إضفاء الإيحاء الصوري على عالم النص ليحملنا إلى ما وراء التعابير المكتوبة حيث الرمزية العالية والتصور.
بعد أن درس علماء النفس التأثير الفراغي وأثره على استقبال النص من خلال متابعة حركة العين وفاعلية أجزاء معينة من الدماغ، يبقى السؤال: ما الذي يحصل على المستوى العقلي أو الإدراكي عندما يتم دمج الشفرات البصرية مع اللفظية؟ فكيف تتم "قراءة"  خصيصة البياض ضمن الشعر المرئي أو المكتوب وما الذي تعنيه بياضات النثر بالنسبة للمتلقي؟
  تقول ( فيرجينيا لا شاريه) صاحبة الدراسة النقدية المطولة والنادرة التي عالجت قصيدة (مالارميه)  الفراغية (Un Coup de des): إن البياض هو الخلاصة التي لا يمكن شرحها، والنقاء الذي لا يمكن تجربته، إنها لحظة الصدق التي لا تلد غيرها، فالبياض في النص لا شكل له ولاحدود،لأنه حالة أصيلة وهو مكتمل بحد ذاته. الفراغ في النص الخطي هو مساحة الحرية التي لا اتجاه لها ...إنها احتمالات مفتوحة للمعنى لغياب الشرح والتفسير. بينما يشير (ويست بافلوف) في الإطار نفسه: إن الفراغ أو البياض ليس إشارة وليس له معنى محدد، الفراغ كالصمت تماما...كلاهما يثير الخوف.
تعتبر قصيدة ( يوجين كومرينجر) ، سيلنسيو، أو الصمت، من أشهر القصائد الكونكريتية التي اخترقت جميع الأشكال النثرية المعروفة إلى ذلك الحين من خلال تكرار كلمة (سيلينسيو) مع تركيبٍ فراغي مقصود. إن هذه القصيدة وغيرها كانت من النماذج التي اختيرت لإجراء اختبارات علمية تعزز الاعتقاد النظري والشفهي بأن للمساحة والبياض في النص النثري وتحديدا الشعر الحديث أثر واضح في التلقي والانفعال وتوليد الحوار الداخلي بين القارئ والنص.
وربما يتساءل القارئ عن ماهية التجارب العلمية التي من الممكن أن تحول الانفعالات الحسية والقرائية إلى داتا مدونة ومحددة بأرقام ومنحنيات تحليلية، هنا سنحاول وبإيجاز شديد تسليط الضوء على بعض من هذه التقنيات التي أدت نتائجها إلى دراسات جادة في البياض النثري. هذه التجارب التي خاضها الباحثون ضمن مشروع ( الشعر ما بعد النص) أثيرت من خلالها اسئلة منها: كيف يتعامل القارئ مع البياض من ناحيتي التفاعل مع النص واشتقاق المعنى؟ هل من الممكن فعلا قراءة البياض؟ في حال أمكننا ذلك، كيف سيؤثر في معنى النص؟ هل يضفي البياض غموضا على النص؟ هل يزيد من احتمالات وإمكانيات التفسير أم يضيق على التفسير الخناق؟ في التجارب الآتية تم التركيز على الوظيفة الفراغية أو تاثير البياض النثري على عملية التلقي أو القراءة.
في مختبر رصد حركات العين، تم عرض قصائد مختلفة الأشكال وأساليب توظيف الفراغات فيها على كتاّب ومهتمين بالشعر والأدب، وقد عرضت النصوص على شاشة الكمبيوتر المزود بهذا البرنامج. وسجل البرنامج الوقت الدقيق لاتساع البؤبؤ وزمن الاتساع المعين ومكانه من النص إضافة إلى حركة العين. بعدها طلب من المشاركين ملء استبيان خاص بالتجربة وتبين انه كلما كان النص خطيا سجلت العين حركة من الأعلى باتجاه الأسفل ومن اليسار باتجاه اليمين. لوحظ إصابة المشترك بالارتباك من خلال تسجيل حركة عينيه عند تكافؤ القوة اللفظية مع الشكلية في القصيدة. لوحظ وبشكل ملفت أن القارئ يركز عينيه في المساحة الفارغة وهو يحاول الاهتداء الى معاني النص وتفسيره وكان ذلك جليا في قصيدةإ silencio

اعتمدت منهجية أخرى لاختبار آراء  فيرجينيا لا شاريه التي ذكرناها آنفا من خلال أخذ مقتبسات عن كتابها كاستبيان لآراء المشاركين، هذا طبعا بعد أن وضعت قصيدة ميلارميه للتجربة:  un coup de des jamais n'abolira le hasard  ، وركزت التجربة حول بوصلة الفراغ في النص وكيف استطاع أو أخفق في عملية إرشاد القارئ أثناء القراءة. وبينت النتائج أن لا دليل معتدا به ويعزز من الاعتقاد أن استخدام ميلارميه للفراغات والتقطيع الذي اعتمده قد استقبل بشكل سلبي من قبل المشاركين بالأبحاث. كما إن الوصول إلى  مرحلة التحدي ليست مثلبة على الفراغ بقدر ما تسجل حالة التفاعل الخلاقة مع النص والكاتب.
 
استنتج الباحثون من سلسلة مطولة من التجارب العلمية أن ما يولده التكاثف في الألفاظ والاستغلال الأكبر للمساحة البيضاء بالمادة المطبوعة تسبب الخرق أو الضيق والنفور نفسه الذي يسببها البياض المبالغ فيه أو الموضوع في غير محله. وتبقى التجارب والتساؤلات تتبادل الأدوار في اعتلاء عرش التفوق من ناحيتي الشكل والمعنى للنص الحديث وبياضه النثري.

نشر المقال في مجلة حبر ابيض العدد 1/ 2016
Picture

ميثم الحربي

روح الزّمن الإلكتروني.. التثاقف عبر السوشيال ميديا

1
يجتهد عالم النّفس الشهير " كارل غوستاف يونغ" من خلال أبحاث الاختصاص الشاقة والفعّالة في اقتراح تفسير لمفردة "الروح" المتداوَلة؛ فيعتبر أنّ الروح تمتلك الخصائص التي تكمّل الشخصية القناع أو الدور الذي يمثله المرء خلال حياته. وتحتوي الروح على الخصائص التي يفتقدها الموقف الواعي للمرء. ويمكن أن نعبّر عنه بما سمّاه يونغ: الأنيما والأنيموس. وتعني: القرين والقرينة. ولذلك فإنّ للرجل روحا مؤنثة وهي "قرينة الرجل" وللمرأة روحا مذكّرة وهي "قرينة المرأة". في كتاب " الكتاب الأحمر" ليونغ نفسه نجده يتحدث إلى روحه الخاصّة. وقد تمّت مخاطبة الروح بصيغة المؤنّث.
ويتحدث "يونغ" إلى جزئه العقلاني عندما راح يسميه "روح هذا الزمن". أمّا الشخصية الأخرى فهي "روح الأعماق" وتمثل كل ما هو روحاني وتصف هذه الشخصية في الكتاب المذكور تأملاته الدينية في حالة من التوحّد مع الطبيعة والكون وهي ترغب بدراسة العلوم الإنسانية. وفي الحالتين تتم الإشارة إلى الرّوحين بصيغة المذكّر.

2
في زمن السكّان الإلكترونيين الراهن المُعبّر عنه بمواقع التواصل الاجتماعي تشتبك الرّوحان. وهي بالطبع أرواح تكشف عن إنسانها أو فردها الجديد بوصفه "الإنسان المُعلن". وهذا الإنسان سلالة منتشرة تعبرعن نفسها فيزيائيا بالصفحات الشخصية أوالحسابات وتطرح هذه الشخصيات في تلك الصفحات عصارة حصيلتها النّفسية، والثقافية. وعن طريق ذلك يقرؤها المتابعون باعتبارها ذرواتٍ من التاريخ الشخصي واختيارات تلك الذروات في الحياة بما تحمل من سرّاء و ضرّاءات. إنّ الإنسان المعلن اليوم يقوم بتجلية كيانه وهو عبارة عن مخطوطة غير منتهية يعيش داخلها التنظيم والفوضى بصيغ قرابة عائمة.

3
يرفع المرء أو يكتب كياساته أو خلاعاته الموافقة لكيانه النّفسي وتكويناته الثقافية على صفحات التواصل الاجتماعي. ويتخالط ذلك مع وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرّسمية وما ترفع من خياراتها أو جهودها في عالم المعلومة، والصّورة الثابتة، والفيديو، إلى جانب ما تشتغل عليه صفحات الشهرة من فنانين، وشركات إعلان، ومحطات ألعاب وتسلية، وغيرها من النوافذ المماثلة.
وقد ارتبط تأثير مواقع التواصل الاجتماعي بما كانت عليه تونس من حركة هياط ومياط تمخضت فيما بعد عن فنطازيا ربيع عربي قابله سيل من الفنطازيات في المنطقة. حتى وجدنا أنّ كلمات القرن العشرين المرنانة وما قبلها من مثل "ثورة"، و"انتفاضة"، و "احتجاج".. إلخ قد ديس بريقها تحت الأرجل بالكامل. وأضحى هذا النوع من القواميس مادّة أساسية لهرج ومرج بانوراما الضحك والبكاء من المحيط إلى الخليج!
4
في التراث العربي يشيع نوع من التآليف تحت مُسمّى "الاختيارات" ويستقرّ في جانبها الأدبي تحديدا في إطار ما عرف فيما بعد بـ "كتب الاختيارات". ومنها تنبثق اختيارات المفضل الضبي المعروفة بـ "المفضليات"، ومثلها للأصمعي، والأخفش.. فضلا عن مجموعات "الأمالي" وما كان على غرارها من الكشكوليات المتعددة، وكتب الفوائد، والشذرات، وجامعي السّعادات... يعكس هذا النوع من الجهود استجابة لحاجة مجتمع لظرف زمان ومكان معينين. وبالتأكيد لا تعكس تلك الجهود سوى عقول أصحابها وتأملاتهم القرائية في دفتر الزّمن الفسيح. وحديثا "والزمن الحديث ليس ما هو هنا والآن" ظهر مسمى وافد عبر التراجم عرف بـ "الأنطولوجيات" وهي مفتوحة فوق مائدة المعرفة، وينفذها مختصو حقولها.
لنقل إنّ ذلك يمثل روحا تنتمي لزمنها داخل عوالم "صناعة الوراقة" التقليدية. وفي روح الزمن الألكتروني يفتح لنا المفهوم صفحته الألكترونية وهو: موقع. صفحة تواصل. مدونة شخصية... وما يهمنا هنا هو فعّالية صفحة التواصل: تويتر. فيس بوك. أنستغرام ومقترباتها من التطبيقات الاجتماعية المؤتمتة.
5
في جانب "الاختيارات" التي تشغلها شخصية الصفحة الألكترونية تكاد خرائط "الجسد" و"إرث التّصوّف"، و"عمالقة العدم" تحتل صدارة اقتباسات السكان الألكترونيين. وفي ذلك مسحة من الزهو والبريق الثقافيين يتم إضفاؤهما على مُشغّل الصفحة بما يؤمّن له اعتبار المواطن المتميز والقَرّاء، والمجرّب، ويصاحب ذلك حركة من الصور المتحركة والثابتة التي تدير تنظيمه وفوضاه بصورة كلية. ومن أجل ذلك يستمرئ مشغل الصفحة هذه اللعبة ليكون محتلا لصورة اختياره عبر انتحال ملكيتها بعد عزل زمن محبرتها السحريّ، كما لو أنه جرّب كل حرف أو كل شكل من أشكال زمنها المعقد والبعيد. بموازاة ذلك ينشأ بالون الادعاء ويتزاوج مع أقرانه ليخلف جيوشا من الغيوم الكاذبة في سماء الادّعاء الزرقاء.
إنّ هذا الموضوع كان مادة مفتوحة لسيل من التحقيقات الصحفية والمنشورات السمعية والبصرية والمقروءة وهي تسأل عن مستقبل الورقيين أو الالكترونيين وميولهم بوصفهم جمهورا في مباشرة قيم الحياة المعقدة.
6
وكان موقع التواصل "تويتر" مادتي في الإحصاءات. وحصرت تلك الإحصاءات في مسألة الاقتباسات القصيرة فقط. وما يتعلق بتصعيد إشارات الجسد/ المماراسات الجنسية الموصوفة بالحروف. أحصيت في ثلاثة أيام (4596) تغريدة تتعلق باستلال مقولات من دفاتر الإغواء وهي تتلون بين الشعر، والمنثورات، والشذرات. وما يتعلق بمقولات المتصوفة. وبغض النظر عن كثير من الحسابات المعلمة بأسماء جلال الدين الرومي، والحلاج، وشمس الدين التبريزي وأمثالهم وصلت عدد تغريدات التصوّف وما يماثلها من تلمسات إلى (871) تغريدة في ثلاثة أيام. وأما ما يتعلق بشذرات عمالقة العدم الغربيين في ثلاثة أيام أيضا فقد كانت (7859) تغريدة.
7
إن هذه الأرقام وعملية إحصائها المضنية لا بد أن تعني نتائجها شيئا أو تدل على مداليل أرغب أن أعتبرها نفسية. فشبان وشابات تويتر يلعبون لعبة الاختيارات ويتبادلون صفيرها عبر المتابعات المشتركة. وتشترك تلك الاختيارات والنزوع المتوتر إلى دفعها إلى الشاشات بأنها تضع أمامنا شبكة هشة من الراغبين في الحصول على تاج القراءة الأصيلة. وأقول شبكة هشة لكون الحسابات المتثاقفة عبر حبل اختياراتها سرعان ما ترتكس إلى شخصيات عائمة بتنويعات مشوشة لاحقة. فتقبض الأزرار حبلا هائلا من الرمل.


 نشر المقال في صحيفة المدى العراقية

رابط المقال

    what do you think? share your opinions, most welcome...

Submit





 
07705234614
07818608652 
amal.nussairi@gmail.com

 
Facebook: PETA مركز بيتا
 Twitter: @amalPeta