مشروعنا الثقافي
أنشئ موقع بيتا الالكتروني ومركز بيتا للخدمات الثقافية بهدف التبادل الثقافي والافادة من الثقافات الاجنبية لتغذية التجربة العراقية الحديثة بشكل ايجابي وتعريف الثقافات الاخرى بطبيعة الانسان العراقي وذخيرته الحضارية والادبية التي تعكس تجاربه الحياتية الثرة، ولذا تنصبّ جهود الموقع والمركز لتحقيق هذا الانفتاح عن طريق الخدمات المنوعة والنشاطات المشتركة.
نوافذ
أهلا بكم في الصفحة العربية لموقع بيتا (افتح لي باللغة السومرية) والتي من خلالها نطل على ثقافات العالم وخاصة تلك التي تعنى بالشعر الحديث. في هذه الصفحة تجدون تراجم كتّابنا العراقيين لعيون الطروحات والمقالات والنصوص في هذا المجال وها نحن نتقدم بالشكر الجزيل لهذا الجهد الترجمي المميز الذي انتقى بعناية الداري العارف ما نقدمه بكل حبواعتزاز لقارئنا الكريم.
|
هل غادر الشعراء من متردّم؟ملف موسع عن مآلات الشعر العربي
ميثم الحربي بداية
في العدد المزدوج لمجلة (الفيصل) الصادر توّا، أدار الشاعر والصحفي الثقافي مشكورا (حسن جوان) ممثلا عن العراق ملفا موسعا وثريا حول راهن الشعر الآن في ضوء برق السؤال الخالد لعنترة العبسي (هل غادر الشعراء من متردم؟). في هذا العدد كان لي رأيٌ سأدرجه في نهايةِ تعليقي على ماجاء من إجابات. بدايةٌ ثانية غطّى الملف مجمل الخارطة العربية. شارك فيه شعراء بمقالات منفردة مثل: سعدي يوسف. عبد القادر الجنابي. أحمد عبد المعطي حجازي. محمد علي شمس الدين. منصف الوهايبي. رشيد يحياوي. فوزية أبو خالد. سماء عيسى. سامر اسماعيل. صبحي موسى. فتحي أبو النصر. جعفر العقيلي. جعفر حسن. محمد جميل أحمد. رنا نجار. هدى الدغفق. الشيخ ولْد سيدي عبد الله. عباس بيضون. وهناك شعراء جاؤوا برأيهم عاكسين ما يتحرّك في. |
بلدانهم من جدل نقدي ومنجز شعري، من المغرب، والسودان، ومصر، وعُمان، والسعودية، واليمن، وموريتانيا، والجزائر، ولبنان، وسوريا، وحزمة دول الخليج. ومن العراق كانت هناك آراء من لدن الشعراء محمد مظلوم، وهاشم شفيق، وفاضل العزاوي، ورشا القاسم، وأنا، داخل الملف الخاص بالعراق.
مُناقدة
أولا:
كتب محرّرو ملف الفيصل مقدمة عامة. ثم بدأ ممثلو كل بلد يقدمون على حدة للإجابات. رأى أهل الفيصل في مقدمتهم العامة ما يأتي:
(لقد كان الشعر العربي رائدَ أهله، يكثف في قصائده الأحلام العربية الكبرى).
وبالطبع إنّ هذه الطاقة اليقينية هي بالضبط ما تجرّأ على تقويضها سؤال عنترة الشهير. وكيقين مُضاد كان حاجز اللون وراء تحول هام في القصيدة العربية وهو الانتقال من (ضمير الجمع) إلى (ضمير المفرد) على يد عنترة الذي غاضَبَ قبيلته وهو العبد، الأسود، ابن الأمَة.. والمُستبعد من فضاء الجماعة بشراسة. كتب الجاحظ عنه: شُهرة عنترة عُرفت في قاع العامة، أي ليس في القصور الأيديولوجية للقبيلة. وقد أنكرت قبيلته التي كانت قوية ومهابة في إحدى المرات أن يحول عنترة هزيمتها إلى نصر وهو ابن أراذل لونا ونسبا؛ فقد ساء ذلك سيدهم (قيس بن زهير)، وقال حين رجع عنترة مُظفّرا: والله ما حمى الناس إلا ابن السوداء، وحين بلغ ذلك عنترة عرّض به في مقولات منها:
وأنا الأسودُ والعبدُ الذي
يقصدُ الخيل إذا النقعُ ارتفع
نسبتي سيفي ورمحي وهما
يؤنساني كلّما اشتدّ الفزع
أذكرُ لوحة اغتراب شعرية شعبية يرسمها الشاعر العراقي الكبير كاظم اسماعيل الكَاطع يقول فيها:
تمساح بنهرهم صاحَو من الخوف
وجازفتْ بحياتي من سمعْت صياح
صارعت المِنيّه وهزني بيدَه الموت
وِمْدمّه اطْلعت صفّكَو للتمــــــــساح
ثانيا:
في تضاعيف ما قاله الشعراء والنقاد، من المبدعين والمبدعات في هذا العدد، أنّهم تمثلوا بأسماء شعراء من قبيل (بيير رفيردي) و (رينيه شار) و (جان كوكتو) و (بول هازار)، ونقديين أجانب..إلخ. وهؤلاء الناس وقفوا جلّ رؤاهم الشعرية والنقدية على اعتبار الشعر (ديوانا فرديا) وليس ديوان العرب، أو ألمانيا، أو فرنسا
يقول بول فاليري: (عندما تعلو الرّياح، نحنُ يجب أن نحاول العيش).
ورياحُنا العربية معروفة فهي تتقلب بعنف بين مسميات السلطة والدكتاتورية والبوليسية والارتكاس وكل ما يُنتجه الجهلان المُقدّس والمؤسّس ويبذرانه في الأغوار العميقة لمجتمعاتنا.
ثالثا:
سؤال عنترة قادمٌ من المستقبل وليس من الماضي. ولا سيّما إذا عرفنا أنّ الأمَةَ السوداء التي نحنُ ابناء لها تحمل اسما صريحا في جنسية الشعر هو (الاغتراب) ونُدلّعها في بيوتنا وأزقتنا العربية المحترقة تحبّبا بـ (العزلة). والاغتراب الذي تبادل معه عنترة العيش هو عن طقس القبيلة وعن شعرها الذي هو مدار واسع لعقل الشعر ما قبل الإسلام. لقد اغترب عن الاثنين وتآلف مع الصحراء (الطبيعة). أما في راهننا فهناك اغترابات متعددة:
اغتراب عن اللغة، عن الدولة، عن المجتمع، عن الطبيعة واستحال الأمر إلى السير في (مصحّات اجتماعية مفتوحة) حسب تعبير أدونيس.
إنّ مأزق هوية عنترة تمثل في عقدة مختلطة (لونية ونَسبية)، ودمجهما في روحه أدّى إلى إنتاج انفعال بلاغي وليس (عاطفة شعرية) أظهرت لنا صورته البلاغية الباشطة كأنها تختزن سيفا لغويا يواجه به الرّياح وهي تعلو!
أمّا نوع مأزق الهوية في عالمنا العربي الرّاهن فيكفينا أنْ نتصفّح كتاب (الهويات القاتلة) لأمين معلوف؛ فهو يضيف إلى ماعاناه عنترة من عُقد على مقاس حياته قائمة طويلة من الأنياب المرعبة ونحنُ نعيش في بحبوحة ردّة حضارية يستمتعُ الجميعُ فيها بالجلوس على خوازيق رائعة!
هذا نص الرأي الذي شاركتُ فيه بالملف الموسع لمجلة الفيصل:
طالما فهمنا أن مفهوم (الرّاهن الشعري) يرتبط بالحياة الثقافية، والسياسية، والاجتماعية، والاقتصادية وأطوارها المتحركة وهي تحيط أفق الفنان بشكل عام، والشعر والشاعر بشكل خاص. كما تختزن مفردة الراهن شحنة الزمن وتبذر لنا في كل مرة مرحلة المحك، ومرحلة الصعب، وحضور الصراع. وعلى هذا الأساس يتغذى راهن الشعرَيْن العراقي والعربي من بنياته الاجتماعية الحافلة بحكايا المندثر والجديد، والمغايرة، والمشاكسة، والاتهام، ومواجهة سدنة الثوابت. ونكاد نجزم أنّ هواجس التحديث وقيمها نابعة من هذا المأزق أو المآزق.
ولقد هبّت رياح عديدة وملونة على الفنون ومنها فن الشعر. وكانت الإفادة من ذلك تتمحور حول فكرة التخصيب بين الحاجات المحلية لمجتمعاتنا وبين الرّجّات المَوْجيّة للتثاقف عبر الترجمات من اللغات المختلفة فيما يتعلق بالتأويل الجمالي للعالم.
ومابين طيّات كل راهن نجد هناك انبثاقات لمراحل وسطى أو انتقالية تتوخى إنتاج قراءة جديدة للحاضر، كما تقوم بصناعة مُقارَءة مع تاريخ التحولات الجمالية عبر الشعر لكي تصل إلى فهم مستقبلي يوافق تطلعات الهُنا والآن. وهكذا يبدأ جيلٌ ما بالتضامن على إنجاح مسعاهم الجديد في تحدي كل أنواع السلفيات المميتة وشحنات الغلو القابعة في الأيديولوجيات، والاتجاهات التي تحاول تنميط الأذهان على إيقاع واحد، وفقير.
أما عن ثنائية الشعر والقراء، فلا نجد إشكالية تجاه القارئ الخاص أو المختص وغالبا ما يُغطي فهمنا لعوامل انحسار القراءة كتلة الجمهور العام. وهذا يمكن أن يحل عبر إنشاء برامج فعالة للترويج. لكننا نصطدم هنا بعقبة دور النشر التي تضع الأرباح في المقدمة وتتحرك وفق هذا المعادلة.
وبلا شك هناك تأثير واضح لعوالم التواصل الاجتماعي. فالتثاقف عبر السوشيال ميديا أبرزه غثه وسمينه على السطح لكن تبقى التجارب الأصيلة مُفحمة لكل جدا
مُناقدة
أولا:
كتب محرّرو ملف الفيصل مقدمة عامة. ثم بدأ ممثلو كل بلد يقدمون على حدة للإجابات. رأى أهل الفيصل في مقدمتهم العامة ما يأتي:
(لقد كان الشعر العربي رائدَ أهله، يكثف في قصائده الأحلام العربية الكبرى).
وبالطبع إنّ هذه الطاقة اليقينية هي بالضبط ما تجرّأ على تقويضها سؤال عنترة الشهير. وكيقين مُضاد كان حاجز اللون وراء تحول هام في القصيدة العربية وهو الانتقال من (ضمير الجمع) إلى (ضمير المفرد) على يد عنترة الذي غاضَبَ قبيلته وهو العبد، الأسود، ابن الأمَة.. والمُستبعد من فضاء الجماعة بشراسة. كتب الجاحظ عنه: شُهرة عنترة عُرفت في قاع العامة، أي ليس في القصور الأيديولوجية للقبيلة. وقد أنكرت قبيلته التي كانت قوية ومهابة في إحدى المرات أن يحول عنترة هزيمتها إلى نصر وهو ابن أراذل لونا ونسبا؛ فقد ساء ذلك سيدهم (قيس بن زهير)، وقال حين رجع عنترة مُظفّرا: والله ما حمى الناس إلا ابن السوداء، وحين بلغ ذلك عنترة عرّض به في مقولات منها:
وأنا الأسودُ والعبدُ الذي
يقصدُ الخيل إذا النقعُ ارتفع
نسبتي سيفي ورمحي وهما
يؤنساني كلّما اشتدّ الفزع
أذكرُ لوحة اغتراب شعرية شعبية يرسمها الشاعر العراقي الكبير كاظم اسماعيل الكَاطع يقول فيها:
تمساح بنهرهم صاحَو من الخوف
وجازفتْ بحياتي من سمعْت صياح
صارعت المِنيّه وهزني بيدَه الموت
وِمْدمّه اطْلعت صفّكَو للتمــــــــساح
ثانيا:
في تضاعيف ما قاله الشعراء والنقاد، من المبدعين والمبدعات في هذا العدد، أنّهم تمثلوا بأسماء شعراء من قبيل (بيير رفيردي) و (رينيه شار) و (جان كوكتو) و (بول هازار)، ونقديين أجانب..إلخ. وهؤلاء الناس وقفوا جلّ رؤاهم الشعرية والنقدية على اعتبار الشعر (ديوانا فرديا) وليس ديوان العرب، أو ألمانيا، أو فرنسا
يقول بول فاليري: (عندما تعلو الرّياح، نحنُ يجب أن نحاول العيش).
ورياحُنا العربية معروفة فهي تتقلب بعنف بين مسميات السلطة والدكتاتورية والبوليسية والارتكاس وكل ما يُنتجه الجهلان المُقدّس والمؤسّس ويبذرانه في الأغوار العميقة لمجتمعاتنا.
ثالثا:
سؤال عنترة قادمٌ من المستقبل وليس من الماضي. ولا سيّما إذا عرفنا أنّ الأمَةَ السوداء التي نحنُ ابناء لها تحمل اسما صريحا في جنسية الشعر هو (الاغتراب) ونُدلّعها في بيوتنا وأزقتنا العربية المحترقة تحبّبا بـ (العزلة). والاغتراب الذي تبادل معه عنترة العيش هو عن طقس القبيلة وعن شعرها الذي هو مدار واسع لعقل الشعر ما قبل الإسلام. لقد اغترب عن الاثنين وتآلف مع الصحراء (الطبيعة). أما في راهننا فهناك اغترابات متعددة:
اغتراب عن اللغة، عن الدولة، عن المجتمع، عن الطبيعة واستحال الأمر إلى السير في (مصحّات اجتماعية مفتوحة) حسب تعبير أدونيس.
إنّ مأزق هوية عنترة تمثل في عقدة مختلطة (لونية ونَسبية)، ودمجهما في روحه أدّى إلى إنتاج انفعال بلاغي وليس (عاطفة شعرية) أظهرت لنا صورته البلاغية الباشطة كأنها تختزن سيفا لغويا يواجه به الرّياح وهي تعلو!
أمّا نوع مأزق الهوية في عالمنا العربي الرّاهن فيكفينا أنْ نتصفّح كتاب (الهويات القاتلة) لأمين معلوف؛ فهو يضيف إلى ماعاناه عنترة من عُقد على مقاس حياته قائمة طويلة من الأنياب المرعبة ونحنُ نعيش في بحبوحة ردّة حضارية يستمتعُ الجميعُ فيها بالجلوس على خوازيق رائعة!
هذا نص الرأي الذي شاركتُ فيه بالملف الموسع لمجلة الفيصل:
طالما فهمنا أن مفهوم (الرّاهن الشعري) يرتبط بالحياة الثقافية، والسياسية، والاجتماعية، والاقتصادية وأطوارها المتحركة وهي تحيط أفق الفنان بشكل عام، والشعر والشاعر بشكل خاص. كما تختزن مفردة الراهن شحنة الزمن وتبذر لنا في كل مرة مرحلة المحك، ومرحلة الصعب، وحضور الصراع. وعلى هذا الأساس يتغذى راهن الشعرَيْن العراقي والعربي من بنياته الاجتماعية الحافلة بحكايا المندثر والجديد، والمغايرة، والمشاكسة، والاتهام، ومواجهة سدنة الثوابت. ونكاد نجزم أنّ هواجس التحديث وقيمها نابعة من هذا المأزق أو المآزق.
ولقد هبّت رياح عديدة وملونة على الفنون ومنها فن الشعر. وكانت الإفادة من ذلك تتمحور حول فكرة التخصيب بين الحاجات المحلية لمجتمعاتنا وبين الرّجّات المَوْجيّة للتثاقف عبر الترجمات من اللغات المختلفة فيما يتعلق بالتأويل الجمالي للعالم.
ومابين طيّات كل راهن نجد هناك انبثاقات لمراحل وسطى أو انتقالية تتوخى إنتاج قراءة جديدة للحاضر، كما تقوم بصناعة مُقارَءة مع تاريخ التحولات الجمالية عبر الشعر لكي تصل إلى فهم مستقبلي يوافق تطلعات الهُنا والآن. وهكذا يبدأ جيلٌ ما بالتضامن على إنجاح مسعاهم الجديد في تحدي كل أنواع السلفيات المميتة وشحنات الغلو القابعة في الأيديولوجيات، والاتجاهات التي تحاول تنميط الأذهان على إيقاع واحد، وفقير.
أما عن ثنائية الشعر والقراء، فلا نجد إشكالية تجاه القارئ الخاص أو المختص وغالبا ما يُغطي فهمنا لعوامل انحسار القراءة كتلة الجمهور العام. وهذا يمكن أن يحل عبر إنشاء برامج فعالة للترويج. لكننا نصطدم هنا بعقبة دور النشر التي تضع الأرباح في المقدمة وتتحرك وفق هذا المعادلة.
وبلا شك هناك تأثير واضح لعوالم التواصل الاجتماعي. فالتثاقف عبر السوشيال ميديا أبرزه غثه وسمينه على السطح لكن تبقى التجارب الأصيلة مُفحمة لكل جدا
جمال جصانيسهراب سبهري، شاعر الألوان والعرفانسهراب سبهري الشاعر الرسام، الذي يرى الحلم أخضر ويرسم الحب أزرق، السالك في طريق لانهاية لمحطاته. حيث الأخضر الممتد من الأرض إلى السماء، ومن الجبال إلى البحر، ذلك مارسمه في مجموعته ( العمق الأخضر ) التي اخترنا منها إحدى أهم قصائده: كان سبهري يقيم أمسياته الشعرية في الوقت نفسه الذي يعرض فيه لوحاته التشكيلية. إن انصهار الموهبتين في روحه ( الشعر والرسم ) منحته القدرة على الغور عميقا في أفق الألوان اللانهائي، متجاوزا الأشكال المتعارف عليها، خاصة وهو المهتم والمطلع على ثقافات وأديان الأمم الأخرى وبالذات البوذية والزرادشتية منها، التي انعكست ظلالها في العديد من إبداعاته. مايميز سبهري أنه كان بعيدا عن الهموم السياسية والصراعات الاجتماعية، التي كانت محتدمة في العصر الذي عاش فيه...ذلك ما آثار ضده غير القليل من الملاحظات والانتقادات، غير أنه لم يعبأ بذلك ، فقد كانت له رؤيته الخاصة وغالبا ماكان يغور في عوالمه البعيدة عن الصخب والضجيج. وعن ذلك يقول: إن جئتم في طلبي تعالوا بهدوء ورقة كي لاتتصدع آنية وحدتي الخزفية الرقيقة وبالرغم من أنه كان كثير السفر والسياحة في العديد من بلدان العالم ، إلا أنه واصل خطواته المتفردة حتى لحظاته الأخيرة، ولم يصغ لأحكام الآخرين المنتقدة لـ ( انطوائيته ) ربما لانه كان مدركا أن يوما ما سيأتي تصبح فيه أشعاره معروفة من قبل أجيال أوسع تعليما وأكثر استقرارا.وهذا ما أشارت إليه فروغ فرخزاد عندما قالت عن شعر سبهري بأنه ( المفضل فهو العالم الساحر... ) . لقد كان حساسا ومرهفا مع المفردة، كما هو دائما مع اللون والتنوع اللانهائي للكلمات والأشياء، لقد كان حريصا على شحن المفردات بكل مافي الصدق من جمال وبهاء. يقول في إحدى قصائده: علينا غسل عيوننا كي ننظر بشكل آخر علينا غسل المفردات كي تكون المفردة عصفا كي تكون مطرا ولد سهراب سبهري عام 1928 في مدينة كاشان، توفي عام 1980 في إحدى مستشفيات طهران ودفن في قريته بكاشان. أول مجاميعه الشعرية كانت تحت عنوان (موت اللون) عام 1951 ، قصائده الأولى كانت تسير على خطى (نيمايوشيج)، غير أنها كانت تنضح باليأس والاضطراب وطغيان العتمة والصمت والسكون كان هو اللون السائد. مجموعته الثانية (حياة الأحلام) كانت أقل اضطرابا، واتخذت منحا مستقلا عن (نيمايوشيج) وكشفت عن بصمة سبهري رغم ظلال (البومة العمياء) أثر صادق هدايت المشهور والتي كانت تظلل زوايا من تلك القصائد. بقية مجاميعه كانت تحت عنوان: ( شظايا الشمس،شرق الحزن، صوت أقدام الماء، المسافر، العمق الأخضر، نحن لاشيء، نحن نظرة ) قصيدة (عنوان) تعد من أشهر ماكتبه وهي نموذج للشعر المحض والتساؤلات الخالدة، فالحركة هي كل شيء والسؤال هو الحياة، الطريق هو الغاية. هكذا أطلق سبهري العنان لفرشاته، وهذه دعوة لاقتفاء خطى ذلك الفارس وعلامات الطريق التي تجدد له السؤال، حيث يتلاشى الهدف النهائي، لتتواصل الخطى..... ( عنوان ) أين منزل الصديق....؟ كان ذلك، سؤال الفارس الذي أربك الصمت ذات فجر السماء تريثت وعابر بين شفتيه غصن شعاع تغلغل لغبار العتمة مشيرا بإصبعه صوب شجرة حور شامخة قال: هناك، قبل الشجرة تلك حقل تسوره أغصان وزهور يفضي لزقاق أكثر اخضرارا من الرؤية الإلهية ستجد الحب هناك كأجنحة الصدق أزرق تواصل سيرك خلف منعطف الحكمة صوب زهرة العزلة وقبل خطوتين منها عند نافورة أساطير الأرض الخالدة تمهل سيعتريك شيء من الخوف الرهيف من أعماق الأجواء الرقراقة تلك ستسمع خشخشة وستلمح طفلا يرتقي شجرة صنوبر باسقة ليلتقط فرخا من عش النور عند ذاك تتلو ضالتك إليه أين منزل الصديق.....؟ جمال جصانيقيصر أمين بور
|
آمال ابراهيم
قراءة الفراغ في الشعر المرئي
كيم ناولز/آنا شافنير/أوريخ ويكر/أندرو مايكل روبرتز تحرير وترجمة عن كتاب (تقنيات الكتابة) الجزء الرابع (2012)، اختيرت المادة من محتوى الصفحات (75-82) رقم الإيداع الدولي: ISSN 1754-9035 غالبا ما تشير الفراغات في النتاجات المكتوبة كالفصول والأجزاء والفقرات والوحدات الكتابية الأخرى الى هيكلة النظام الخاص بنصوص المادة المعالجة. وغالبا ما تمثل كتلا لدلالات المعنى في الوحدة المنفصلة. إن المسافات الموجودة في الصفحات تمثل حدود الكلمات والترويسات الرئيسة والثانوية والهوامش والفقرات والمقاطع المتتالية، وإن مهمة هذه المسافات تكمن في التنظيم البصري لعملية الاستيعاب والإدراك لأنها تتولى توجيه العين والعقل أثناء القراءة. أما في النصوص الخطية والتي من ضمنها (الشعر) فإن المسافات والفراغات بين أجزاء النص وكلماته ومقاطعه الشعرية ترتقي بمهمة أكثر تعقيدا، فهنا تخلق تتابعا نغميا ووحدات أدق لبناء المعنى. وكما بين اندرو أم روبيرتز وزملاؤه فإن البياض المدرج ضمن النص النثري يوازي في أهميته التشكيل أو الضبط. وعلى أية حال فإنه في الشعر المعتمد على التوزيع البصري كما يتجلى في القصيدة الكونكريتية أو الكتلية، فإن فاعلية الفراغ تتعدى ما ذكر إعلاه ليستثمر النص بشكل أكبر من خلال اجتياحه المساحات الفاصلة بين المقاطع والجمل والكلمات ليصل التقطيع الفراغي إلى الحرف نفسه. يذكر (روسيل ويست-بافلوف) في مفتتح مؤلفه (نظرية الفراغ) إن الانتباه الى التوزيع الفراغي في النص الأدبي لم يظهر إلاّ مع انتشار تقنيات التواصل الحديثة. فعلى حد تعبيره إن الكاتب انتبه الى المسافات والفراغات بين أجزاء النص في عصر الكمبيوتر والمعالجة اللغوية الألكترونية. وهنا يؤخذ على بافلوف أنه لم يهمل القارئ فقط وإنما أهمل التساؤل القديم حول أهمية الفراغ في النص الذي بدأ ينتشر منذ 1897، على يد الشاعر الرمزي الفرنسي (استيفان ميلارميه) عندما نشر في الصحيفة الفرنسية (كوزموبوليس) قصيدة مؤثرة استثمر فيها مساحات بيضاء توجه القارئ إلى فحوى النص بقوة وعنه يقول (ميلارميه): "تكمن أهمية الفراغات في أنها تمثل الصدمة المباشرة للنص". هنا سجل الشاعر الفرنسي ريادة في استثمار البياض ليثبت أنه لا يقل تأثيرا في القارئ من الأحرف المطبوعة السود ولا تفوّق للأخيرة على الأولى. إن ثورة (ميلارميه) على الاستثمار المعتاد لسطح الورقة فتح آفاقا جديدة في التعبير الشعري. فقد غيرت الأشكال التي تنتظم فيها الكلمات وتتجمع الى قيمة شعرية في حد ذاتها. والأبعد من ذلك، ذهب إلى استغلال الأشكال الطباعية في التاثير التعبيري للكلمة من خلال أدائها المظهري بمعنى آخر، إن طبيعة الخط ونوعه واختياره رقيقا أو غليظا أومعتدلا أو مائلا يجرّ إلى لحظة الكتابة والتعبير إمكانات مضافة للتأثير في القارئ. فقد أصبحت الإمكانات الطباعية أدوات إضافية للتعبير. وهنا فإن على القارئ أن يلي هذه التنوعات اهتماما يوازي اهتمامه بالمادة المكتوبة فهنالك رسالة توجهها الكلمات وأخرى موازية توجهها الأشكال الشعرية والتوزيع الفراغي في النص. في الشعر المرئي تتحول المساحة البيضاء الى ما يصفه (نيلسون جودمان) إلى حقل من الإشارات " المكثفة" وكما بينه في دراسته الموسومة ( لغات الفن): إنه منهج في نظرية الترميز، حيث يحيط بالمميزات المختلفة للأنظمة الدلالية للصور والألفاظ. توسع القيم الفراغية من ذخيرة التعبير الشعري من خلال إضفاء الإيحاء الصوري على عالم النص ليحملنا إلى ما وراء التعابير المكتوبة حيث الرمزية العالية والتصور. بعد أن درس علماء النفس التأثير الفراغي وأثره على استقبال النص من خلال متابعة حركة العين وفاعلية أجزاء معينة من الدماغ، يبقى السؤال: ما الذي يحصل على المستوى العقلي أو الإدراكي عندما يتم دمج الشفرات البصرية مع اللفظية؟ فكيف تتم "قراءة" خصيصة البياض ضمن الشعر المرئي أو المكتوب وما الذي تعنيه بياضات النثر بالنسبة للمتلقي؟ تقول ( فيرجينيا لا شاريه) صاحبة الدراسة النقدية المطولة والنادرة التي عالجت قصيدة (مالارميه) الفراغية (Un Coup de des): إن البياض هو الخلاصة التي لا يمكن شرحها، والنقاء الذي لا يمكن تجربته، إنها لحظة الصدق التي لا تلد غيرها، فالبياض في النص لا شكل له ولاحدود،لأنه حالة أصيلة وهو مكتمل بحد ذاته. الفراغ في النص الخطي هو مساحة الحرية التي لا اتجاه لها ...إنها احتمالات مفتوحة للمعنى لغياب الشرح والتفسير. بينما يشير (ويست بافلوف) في الإطار نفسه: إن الفراغ أو البياض ليس إشارة وليس له معنى محدد، الفراغ كالصمت تماما...كلاهما يثير الخوف. تعتبر قصيدة ( يوجين كومرينجر) ، سيلنسيو، أو الصمت، من أشهر القصائد الكونكريتية التي اخترقت جميع الأشكال النثرية المعروفة إلى ذلك الحين من خلال تكرار كلمة (سيلينسيو) مع تركيبٍ فراغي مقصود. إن هذه القصيدة وغيرها كانت من النماذج التي اختيرت لإجراء اختبارات علمية تعزز الاعتقاد النظري والشفهي بأن للمساحة والبياض في النص النثري وتحديدا الشعر الحديث أثر واضح في التلقي والانفعال وتوليد الحوار الداخلي بين القارئ والنص. وربما يتساءل القارئ عن ماهية التجارب العلمية التي من الممكن أن تحول الانفعالات الحسية والقرائية إلى داتا مدونة ومحددة بأرقام ومنحنيات تحليلية، هنا سنحاول وبإيجاز شديد تسليط الضوء على بعض من هذه التقنيات التي أدت نتائجها إلى دراسات جادة في البياض النثري. هذه التجارب التي خاضها الباحثون ضمن مشروع ( الشعر ما بعد النص) أثيرت من خلالها اسئلة منها: كيف يتعامل القارئ مع البياض من ناحيتي التفاعل مع النص واشتقاق المعنى؟ هل من الممكن فعلا قراءة البياض؟ في حال أمكننا ذلك، كيف سيؤثر في معنى النص؟ هل يضفي البياض غموضا على النص؟ هل يزيد من احتمالات وإمكانيات التفسير أم يضيق على التفسير الخناق؟ في التجارب الآتية تم التركيز على الوظيفة الفراغية أو تاثير البياض النثري على عملية التلقي أو القراءة. في مختبر رصد حركات العين، تم عرض قصائد مختلفة الأشكال وأساليب توظيف الفراغات فيها على كتاّب ومهتمين بالشعر والأدب، وقد عرضت النصوص على شاشة الكمبيوتر المزود بهذا البرنامج. وسجل البرنامج الوقت الدقيق لاتساع البؤبؤ وزمن الاتساع المعين ومكانه من النص إضافة إلى حركة العين. بعدها طلب من المشاركين ملء استبيان خاص بالتجربة وتبين انه كلما كان النص خطيا سجلت العين حركة من الأعلى باتجاه الأسفل ومن اليسار باتجاه اليمين. لوحظ إصابة المشترك بالارتباك من خلال تسجيل حركة عينيه عند تكافؤ القوة اللفظية مع الشكلية في القصيدة. لوحظ وبشكل ملفت أن القارئ يركز عينيه في المساحة الفارغة وهو يحاول الاهتداء الى معاني النص وتفسيره وكان ذلك جليا في قصيدةإ silencio اعتمدت منهجية أخرى لاختبار آراء فيرجينيا لا شاريه التي ذكرناها آنفا من خلال أخذ مقتبسات عن كتابها كاستبيان لآراء المشاركين، هذا طبعا بعد أن وضعت قصيدة ميلارميه للتجربة: un coup de des jamais n'abolira le hasard ، وركزت التجربة حول بوصلة الفراغ في النص وكيف استطاع أو أخفق في عملية إرشاد القارئ أثناء القراءة. وبينت النتائج أن لا دليل معتدا به ويعزز من الاعتقاد أن استخدام ميلارميه للفراغات والتقطيع الذي اعتمده قد استقبل بشكل سلبي من قبل المشاركين بالأبحاث. كما إن الوصول إلى مرحلة التحدي ليست مثلبة على الفراغ بقدر ما تسجل حالة التفاعل الخلاقة مع النص والكاتب. استنتج الباحثون من سلسلة مطولة من التجارب العلمية أن ما يولده التكاثف في الألفاظ والاستغلال الأكبر للمساحة البيضاء بالمادة المطبوعة تسبب الخرق أو الضيق والنفور نفسه الذي يسببها البياض المبالغ فيه أو الموضوع في غير محله. وتبقى التجارب والتساؤلات تتبادل الأدوار في اعتلاء عرش التفوق من ناحيتي الشكل والمعنى للنص الحديث وبياضه النثري. نشر المقال في مجلة حبر ابيض العدد 1/ 2016 |
ميثم الحربيروح الزّمن الإلكتروني.. التثاقف عبر السوشيال ميديا1
يجتهد عالم النّفس الشهير " كارل غوستاف يونغ" من خلال أبحاث الاختصاص الشاقة والفعّالة في اقتراح تفسير لمفردة "الروح" المتداوَلة؛ فيعتبر أنّ الروح تمتلك الخصائص التي تكمّل الشخصية القناع أو الدور الذي يمثله المرء خلال حياته. وتحتوي الروح على الخصائص التي يفتقدها الموقف الواعي للمرء. ويمكن أن نعبّر عنه بما سمّاه يونغ: الأنيما والأنيموس. وتعني: القرين والقرينة. ولذلك فإنّ للرجل روحا مؤنثة وهي "قرينة الرجل" وللمرأة روحا مذكّرة وهي "قرينة المرأة". في كتاب " الكتاب الأحمر" ليونغ نفسه نجده يتحدث إلى روحه الخاصّة. وقد تمّت مخاطبة الروح بصيغة المؤنّث. ويتحدث "يونغ" إلى جزئه العقلاني عندما راح يسميه "روح هذا الزمن". أمّا الشخصية الأخرى فهي "روح الأعماق" وتمثل كل ما هو روحاني وتصف هذه الشخصية في الكتاب المذكور تأملاته الدينية في حالة من التوحّد مع الطبيعة والكون وهي ترغب بدراسة العلوم الإنسانية. وفي الحالتين تتم الإشارة إلى الرّوحين بصيغة المذكّر. 2 في زمن السكّان الإلكترونيين الراهن المُعبّر عنه بمواقع التواصل الاجتماعي تشتبك الرّوحان. وهي بالطبع أرواح تكشف عن إنسانها أو فردها الجديد بوصفه "الإنسان المُعلن". وهذا الإنسان سلالة منتشرة تعبرعن نفسها فيزيائيا بالصفحات الشخصية أوالحسابات وتطرح هذه الشخصيات في تلك الصفحات عصارة حصيلتها النّفسية، والثقافية. وعن طريق ذلك يقرؤها المتابعون باعتبارها ذرواتٍ من التاريخ الشخصي واختيارات تلك الذروات في الحياة بما تحمل من سرّاء و ضرّاءات. إنّ الإنسان المعلن اليوم يقوم بتجلية كيانه وهو عبارة عن مخطوطة غير منتهية يعيش داخلها التنظيم والفوضى بصيغ قرابة عائمة. 3 يرفع المرء أو يكتب كياساته أو خلاعاته الموافقة لكيانه النّفسي وتكويناته الثقافية على صفحات التواصل الاجتماعي. ويتخالط ذلك مع وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرّسمية وما ترفع من خياراتها أو جهودها في عالم المعلومة، والصّورة الثابتة، والفيديو، إلى جانب ما تشتغل عليه صفحات الشهرة من فنانين، وشركات إعلان، ومحطات ألعاب وتسلية، وغيرها من النوافذ المماثلة. وقد ارتبط تأثير مواقع التواصل الاجتماعي بما كانت عليه تونس من حركة هياط ومياط تمخضت فيما بعد عن فنطازيا ربيع عربي قابله سيل من الفنطازيات في المنطقة. حتى وجدنا أنّ كلمات القرن العشرين المرنانة وما قبلها من مثل "ثورة"، و"انتفاضة"، و "احتجاج".. إلخ قد ديس بريقها تحت الأرجل بالكامل. وأضحى هذا النوع من القواميس مادّة أساسية لهرج ومرج بانوراما الضحك والبكاء من المحيط إلى الخليج! 4 في التراث العربي يشيع نوع من التآليف تحت مُسمّى "الاختيارات" ويستقرّ في جانبها الأدبي تحديدا في إطار ما عرف فيما بعد بـ "كتب الاختيارات". ومنها تنبثق اختيارات المفضل الضبي المعروفة بـ "المفضليات"، ومثلها للأصمعي، والأخفش.. فضلا عن مجموعات "الأمالي" وما كان على غرارها من الكشكوليات المتعددة، وكتب الفوائد، والشذرات، وجامعي السّعادات... يعكس هذا النوع من الجهود استجابة لحاجة مجتمع لظرف زمان ومكان معينين. وبالتأكيد لا تعكس تلك الجهود سوى عقول أصحابها وتأملاتهم القرائية في دفتر الزّمن الفسيح. وحديثا "والزمن الحديث ليس ما هو هنا والآن" ظهر مسمى وافد عبر التراجم عرف بـ "الأنطولوجيات" وهي مفتوحة فوق مائدة المعرفة، وينفذها مختصو حقولها. لنقل إنّ ذلك يمثل روحا تنتمي لزمنها داخل عوالم "صناعة الوراقة" التقليدية. وفي روح الزمن الألكتروني يفتح لنا المفهوم صفحته الألكترونية وهو: موقع. صفحة تواصل. مدونة شخصية... وما يهمنا هنا هو فعّالية صفحة التواصل: تويتر. فيس بوك. أنستغرام ومقترباتها من التطبيقات الاجتماعية المؤتمتة. 5 في جانب "الاختيارات" التي تشغلها شخصية الصفحة الألكترونية تكاد خرائط "الجسد" و"إرث التّصوّف"، و"عمالقة العدم" تحتل صدارة اقتباسات السكان الألكترونيين. وفي ذلك مسحة من الزهو والبريق الثقافيين يتم إضفاؤهما على مُشغّل الصفحة بما يؤمّن له اعتبار المواطن المتميز والقَرّاء، والمجرّب، ويصاحب ذلك حركة من الصور المتحركة والثابتة التي تدير تنظيمه وفوضاه بصورة كلية. ومن أجل ذلك يستمرئ مشغل الصفحة هذه اللعبة ليكون محتلا لصورة اختياره عبر انتحال ملكيتها بعد عزل زمن محبرتها السحريّ، كما لو أنه جرّب كل حرف أو كل شكل من أشكال زمنها المعقد والبعيد. بموازاة ذلك ينشأ بالون الادعاء ويتزاوج مع أقرانه ليخلف جيوشا من الغيوم الكاذبة في سماء الادّعاء الزرقاء. إنّ هذا الموضوع كان مادة مفتوحة لسيل من التحقيقات الصحفية والمنشورات السمعية والبصرية والمقروءة وهي تسأل عن مستقبل الورقيين أو الالكترونيين وميولهم بوصفهم جمهورا في مباشرة قيم الحياة المعقدة. 6 وكان موقع التواصل "تويتر" مادتي في الإحصاءات. وحصرت تلك الإحصاءات في مسألة الاقتباسات القصيرة فقط. وما يتعلق بتصعيد إشارات الجسد/ المماراسات الجنسية الموصوفة بالحروف. أحصيت في ثلاثة أيام (4596) تغريدة تتعلق باستلال مقولات من دفاتر الإغواء وهي تتلون بين الشعر، والمنثورات، والشذرات. وما يتعلق بمقولات المتصوفة. وبغض النظر عن كثير من الحسابات المعلمة بأسماء جلال الدين الرومي، والحلاج، وشمس الدين التبريزي وأمثالهم وصلت عدد تغريدات التصوّف وما يماثلها من تلمسات إلى (871) تغريدة في ثلاثة أيام. وأما ما يتعلق بشذرات عمالقة العدم الغربيين في ثلاثة أيام أيضا فقد كانت (7859) تغريدة. 7 إن هذه الأرقام وعملية إحصائها المضنية لا بد أن تعني نتائجها شيئا أو تدل على مداليل أرغب أن أعتبرها نفسية. فشبان وشابات تويتر يلعبون لعبة الاختيارات ويتبادلون صفيرها عبر المتابعات المشتركة. وتشترك تلك الاختيارات والنزوع المتوتر إلى دفعها إلى الشاشات بأنها تضع أمامنا شبكة هشة من الراغبين في الحصول على تاج القراءة الأصيلة. وأقول شبكة هشة لكون الحسابات المتثاقفة عبر حبل اختياراتها سرعان ما ترتكس إلى شخصيات عائمة بتنويعات مشوشة لاحقة. فتقبض الأزرار حبلا هائلا من الرمل. نشر المقال في صحيفة المدى العراقية |